Ads 468x60px

اشهار

الجمعة، 18 يوليو 2014

الف ليلة و ليلة 13 : حكاية مدينة النحاس (1\3)


حكاية مدينة النحاس (1\3)
وفي الليلة الثامنة والستين بعد الخمسمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الجني الذي في العامود لما حكى لهم حكايته من أولها إلى أن سجن في العامود، قالوا له أين الطريق الموصلة إلى مدينة النحاس فأشار لنا إلى طريق المدينة وإذا بيننا وبينها خمسة وعشرون باباً لا يظهر منها باب واحد ولا يعرف له أثر، وسورها كأنه قطعة من جبل أو حديد صب في قالب، فنزل القوم ونزل الأمير موسى والشيخ عبد الصمد واجتهدوا أن يعرفوا لها باباً ويجدوا لها سبيلاً فلم يصلوا إلى ذلك فقال الأمير موسى يا طالب كيف الحيلة في دخول هذه المدينة فلابد أن نعرف لها باباً ندخل منه فقال طالب أصلح الله الأمير لنستريح يومين أو ثلاثة وندبر الحيلة إن شاء الله تعالى في الوصول إليها والدخول فيها. قال: فعند ذلك أمر الأمير موسى بعض غلمانه أن يركب جملاً ويطوف حول المدينة لعله يطلع على أثر باب، أو موضع قصر في المكان الذي هم فيه نازلون فركب بعض غلمانه وسار حولها يومين بلياليهما يجد السير ولا يستريح فلما كان اليوم الثالث أشرف على أصحابه، وهو مدهوش لما رأى من طولها وارتفاعها، ثم قال أيها الأمير إن أهون موضع فيها هذا الموضع. ثم إن الأمير موسى أخذ طالب بن سهل والشيخ عبد الصمد، وصعد على جبل مقابلها وهو مشرف عليها، فلما طلعوا ذلك الجبل رأوا مدينة لم تر العيون أعظم منها، قصورها عالية وقبابها زاهية ودورها عامرات وأنهارها جاريات وأشجارها مثمرات وأنهارها يانعات وهي مدينة بأبواب منيعة خالية مدة لا حس فيها، ولا انس يصفر البوم في جهاتها ويحوم الطير في عرضاتها وينمق الغراب في نواحيها وشوارعها ويبكي على من كان فيها.
فوقف الأمير موسى يتندم على خلوها من السكان، وخرابها من الأهل والقطان وقال سبحان من لا تغيره الدهور والأزمان خالق الخلق بقدرته فبينما هو يسبح الله عز وجل إذ حانت منه التفاتة إلى جهة وغذا فيها سبعة ألواح من الرخام الأبيض وهي تلوح من البعد، فدنا منه فإذا هي منقوشة مكتوبة فأمر أن تقرأ كتابتها، فتقدم الشيخ عبد الصمد وتأملها وقرأها فإذا فيها وعظ واعتبار وزجر لذوي الأبصار، مكتوب على اللوح الأول بالقلم اليوناني يا ابن آدم ماذا أغفلك عن أمر هو أمامك قد ألهتك عنه سنينك وأعوانك أما علمت أن كأس المنية لك يترع وعن قريب له تتجرع فانظر لنفسك قبل دخولك رمسك أين من ملك البلاد وأذل العباد وقاد الجيوش نزل بهم والله هادم اللذات ومفرق الجماعات ومخرب المنازل العامرات فنقلهم من سعة القصور إلى ضيق القبور وفي أسفل اللوح مكتوب هذه الأبيات:
            أين الملوك ومن بالأرض قد عمروا    قد فارقوا ما بنوا فيها وما عمروا
            وأصبحوا رهن قبر بالذي عمـلـوا      عادوا رميماً به من بعد ما دثـروا
            أين العساكر ما ردت وما نفـعـت      وأين ما جمعوا فيها وما ادخـروا
            أتاهم رب العرش علـى عـجـل         لم ينجهم مـنـه أمـوال ولا وزر
فبكى الأمير موسى وجرت دموعه على خده، وقال: والله إن الزهد في الدنيا هو غاية التوفيق ونهاية التحقيق ثم إنه أحضر دواة وقرطاساً وكتب ما على اللوح الأول، ثم إنه دنا من اللوح الثاني وإذا عليه مكتوب يا ابن آدم ما غرك بقديم الأزل وما ألهاك عن حلول الأجل، ألا تعلم أن الدنيا دار بوار ما لأحد فيها قرار وأنت ناظر إليها ومكب عليها، أين الملوك الذين عمروا العراق وملكوا الآفاق أين من عمروا أصفهان وبلاد خراسان دعاهم داعي المنايا فأجابوه وناداهم منادي الفناء فلبوه وما نفعهم ما بنوا وشيدوا ولا رد عنهم ما جمعوا وعددوا وفي أسفل اللوح مكتوب هذه الأبيات:
           أين الذين بنـوا لـذاك وشـيدوا       غرفاً به لم يحكـهـا بـنـيان
           جمعوا العساكر والجيوش مخافة     من ذل تقدير الإله فـهـانـوا
           أين الأكاسرة المناع حصونهـم       تركوا البلاد كأنهم ما كـانـوا
فبكى الأمير وقال والله لقد خلقنا لأمر عظيم ثم كتب ما عليه ودنا من اللوح الثالث.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة التاسعة والستين بعد الخمسمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الأمير موسى دنا من اللوح الثالث فوجد فيه مكتوباً يا ابن آدم أنت بحب الدنيا لاه وعن أمر ربك ساه كل يوم من عمرك ماض وأنت قانع وراض فقدم الزاد ليوم الميعاد واستعد لرد الجواب بين يدي رب العباد وفي أسفل اللوح مكتوب هذه الأبيات:
            أين الذي عمر البلاد بأسرهـا        سنداً وهنداً واعتدى وتجبـرا
             والزنج والحبش استقاد لأمـره       والنوب لما أن طغى وتكبـرا
             لا تنتظر خيراً بما في قبـره         هيهات أن تلقى بذلك مخبـرا
              فدعته من ريب المنون حوادث       لم ينجه من قصره ما عمـرا
فبكى الأمير موسى بكاء شديداً ثم دنا من اللوح الرابع فرأى مكتوباً عليه يا ابن آدم كم يملك مولاك وأنت خائض في بحر لهواك كل يوم أوحى إليك أنك لا تموت، يا ابن آدم لا تغرنك أيامك ولياليك، وساعاتك الملهية وغفلاتها واعلم أن الموت لك مرصداً وعلى كتفك صاعداً ما من يوم يمضي إلا صبحك صباحا ومساك مساء فاحذر من هجمته واستعد له فكأني بك وقد جعلت طول حياتك وضعت لذات أوقاتك، فاسمع مقالي وثق بمولى الموالي ليس للدنيا ثبوت، إنما الدنيا نسجة العنكبوت ورأى في أسفل اللوح مكتوباً هذه الأبيات:
               أين من أسس الذرى وبنـاهـا      وتولى مشـيدهـا ثـم عـلا
               أين أهل الحصون من سكنوها     كلهم عن تلك الصياصي تولى
               أصبحوا في القبور رهناً ليوم      فيه حقاً كل السرائر تبـلـى
               ليس يبقى سوى الإله تعالـى       وهو مازال للكـرامة أهـلا
فبكى الأمير موسى وكتب ذلك ونزل من فوق الجبل وقد صور الدنيا بين عينيه، فلما وصل إلى العسكر وأقاموا يومهم يدبرون الحيلة في دخول المدنية، فقال الأمير موسى لوزيره طالب بن سهل ولمن حوله من خواصه كيف تكون الحيلة في دخول المدينة لننظر عجائبها لعلنا نجسد فيها ما نتقرب به إلى أمير المؤمنين.
فقال طالب بن سهل أدام الله نعمة الأمير نعمل سلماً ونصعد عليه لعلنا نصل إلى الباب من الداخل، فقال الأمير موسى هذا ما خطر ببالي وهو نعم الرأي، ثم إنه عاد بالنجارين والحدادين وأمرهم أن يسووا الأخشاب ويعملوا سلماً مصفحاً بصفائح الحديد، ففعلوه وأحكموه ومكثوا في عمله شهراً كاملاً واجتمعت عليه الرجال فأقاموه وألصقوه بالسور، فجاء مساوياً له كأنه قد عمل له قبل ذلك اليوم.
فتعجب الأمير موسى منه وقال بارك الله فيكم كأنكم قستموه عليه من حسن صنعتكم ثم إن الأمير موسى قال للناس من يطلع منكم على هذا السلم ويصعد فوق السور ويمشي عليه ويتحايل في نزوله إلى أسفل المدينة لينظر كيف الأمر ثم يخبرنا بكيفية فتح الباب، فقال أحدهم أنا أصعد عليه أيها الأمير وأنزل أفتحه فقال له الأمير موسى اصعد بارك الله فيك فصعد الرجل على السلم حتى صار في أعلاه ثم قام على قدميه وشخص إلى المدينة وصفق بكفيه وصاح بأعلى صوته وقال أنت مليح، ورمى بنفسه من داخل المدينة فانهرس لحمه على عظمه.
فقال الأمير موسى هذا فعل العاقل فكيف يكون فعل المجنون، إن كنا نفعل هذا بجميع أصحابنا لم يبق منهم أحد فنعجز عن قضاء حاجتنا وحاجة أمير المؤمنين ارحلوا فلا حاجة لنا بهذه فقال بعضهم لعل غير هذا أثبت منه فصعد ثان وثالث ورابع وخامس فما زالوا يصعدون من ذلك السلم إلى السور واحداً بعد واحد إلى أن راح منهم اثني عشر رجلاً وهم يفعلون كما فعل الأول.
فقال اليخ عبد الصمد ما لهذا الأمر غيري وليس المجرب كغير المجرب، فقال له الأمير موسى لا تفعل ذلك ولا أمكنك من الطلوع إلى هذا السور لأنك إذا مت كنت سبباً لموتنا كلنا ولا يبقى منا أحد لأنك أنت دليل القوم فقال له الشيخ عبد الصمد لعل ذلك يكون على يدي بمشيئة الله تعالى فاتفق القوم كلهم على صعوده.
ثم إن الشيخ عبد الصمد قام ونشط نفسه وقال بسم الله الرحمن الرحيم ثم إنه صعد على السمل وهو يذكر الله تعالى ويقرأ آيات النجاة، إلى أن بلغ أعلى السور ثم إنه صفق بيديه وشخص ببصره فصاح عليه القوم جميعاً وقالوا أيها الشيخ عبد الصمد لا تفعل ولا تلق نفسك وقالوا إنا لله وإنا إليه راجعون إن وقع الشيخ عبد الصمد هلكنا بأجمعنا، ثم إن الشيخ عبد الصمد ضحك ضحكاً زائداً وجلس ساعة طويلة يذكر الله تعالى ويتلو آيات النجاة، ثم إنه قام على حيله ونادى بأعلى صوته أيها الأمير لا بأس عليكم، فقد صرف الله عز وجل عني كيد الشيطان ومكره ببركة بسم الله الرحمن الرحيم، فقال له الأمير ما رأيت أيها الشيخ قال لما وصلت أعلى السور رأيت عشر جوار كأنهن الأقمار وهن يناديني.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة السبعون بعد الخمسمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الشيخ عبد الصمد قال لما وصلت أعلى السور رأيت عشر جوار كأنهن الأقمار، وهن يشرن بأيديهن أن تعال إلينا وتخيل لي أن تحتي بحراً من الماء فأردت أن ألقي نفسي كما فعل أصحابنا، فرأيتهم موتى فتماسكت عنهم وتلوت شيئاً من كتاب الله تعالى، فصرف الله عني كيدهن وانصرفن عني فلم أرم نفسي ورد الله عني كيدهن وسحرهن ولاشك إن هذا سحر مكية صنعها أهل تلك المدينة ليردوا عنها كل من أراد أن شرف عليها ويروم الوصول إليها وهؤلاء أصحابنا مطروحون موتى، ثم إنه مشى على السور إلى أن وصل إلى البرجين النحاسيين فرأى لهما بابين من الذهب ولا قفل عليهما وليس فيهما علامة للفتح، ثم وقف الشيخ أمام الباب وتأمل فرأى في وسط الباب صورة فارس من نحاس له كف ممدود كأنه يشير به وفيه خط مكتوب فقرأه الشيخ عبد الصمد، فإذا فيه افرك المسمار الذي في سرة الفارس اثني عشر فركة فإن الباب ينفتح فتأمل الفارس فإذا في سرته مسمار محكم متقن مكين ففركه اثني عشر فركة فانفتح الباب في الحال وله صوت كالرعد فدخل منه الشيخ عبد الصمد وكان رجلاً فاضلاً عالماً بجميع اللغات والأقلام، فمشى إلى أن دخل دهليزاً طويلاً نزل منه على درجات فوجده بدكك حسنة وعليها أقوام موتى وفوق رؤوسهم التروس المكلفة والحسامات المرهفة والقسى الموترة والسهام المفوقة وخلف الباب عامود من حديد ومتاريس من خشب وأقفال رقيقة وآلات محكمة.
فقال الشيخ عبد الصمد في نفسه لعل المفاتحي عند هؤلاء القوم، ثم نظر بعينه، وإذا هو بشيخ يظهر أنه أكبرهم سناً وهو على دكة عالية بين القوم الموتى فقال الشيخ عبد الصمد وما يدريك أن تكون مفاتيح هذه المدينة مع هذا الشيخ ولعله بواب المدينة وهؤلاء من تحت يده، فدنا منه ورفع ثيابه وإذا بالمفاتيح معلقة في وسطه.
فلما رآها الشيخ عبد الصمد فرح فرحاً شديدأً وكاد عقله أن يطير من الفرحة، ثم إن الشيخ عبد الصمد أخذ المفاتيح ودنا من الباب وفتح الأقفال وجذب الباب والمتاريس والآلات فانفتحت وانفتح الباب بصوت كالرعد لكبره وهوله وعظم آلاته فعند ذلك كبر الشيخ وكبر القوم معه واستبشروا وفرحوا وفرح الأمير بسلامة الشيخ عبد الصمد وفتح باب المدينة وقد شكره القوم على ما فعله فبادر العسكر كلهم بالدخول من باب فصاح عليهم الأمير موسى وقال لهم يا قوم لا نأمن إذا دخلنا كلنا من أمر يحدث ولكن يدخل النصف ويتأخر النصف.
ثم إن الأمير موسى دخل من الباب ومعه نصف القوم وهم حاملون آلات الحرب فنظر القوم إلى أصحابهم وهم ميتون فدفنوهم ورأوا البوابين والخدم والحجاب والنواب راقدين فوق الفراش الحرير موتى كلهم ودخلوا إلى سوق المدينة فنظروا سوقاً عظيمة عالية الأبنية لا يخرج بعضها عن بعض والدكاكين مفتحة والموازين معلقة والنحاس مصفوفاً والخانات ملآنة من جميع البضائع ورأوا التجار موتى على دكاكينهم وقد يبست منهم الجلود ونخرت منهم العظام وصاروا عبرة لمن اعتبر.
ونظروا إلى أربعة أسواق مستقلات كالهشيم مملوءة بالمال فتركوها ومضوا إلى سوق الخز، وإذا فيه من الحرير والديباج ما هو منسوج بالذهب الأحمر والفضة البيضاء على اختلاف الألوان وأصحابه موتى رقود على انطاع الأديم يكادون أن ينطقوا فتركوهم ومضوا إلى سوق الجواهر واللؤلؤ والياقوت فتركوه ومضوا إلى سوق الصيارفة، فوجدوهم موتى وتحتهم أنواع الحرير والابريسم ودكاكينهم مملوءة من الذهب والفضة، فتركوهم ومضوا إلى سوق العطارين فإذا دكاكينهم مملوءة بأنواع العطريات ونوافح المسك والعنبر العود والكافور وغير ذلك وأهلها كلهم موتى وليس عندهم شيء من المأكول.
فلما طلعوا من سوق العطارين وجدوا قريباً منه قصراً مزخرفاً متقناً، فدخلوه فوجدوا أعلاماً منشورة وسيوفاً مجردة وقسياً موترة وترساً معلقة بسلاسل من الذهب والفضة وخوذاً مطلية بالذهب الأحمر، وفي دهاليز ذلك القصر دكك من العاج المصفح بالذهب الوهاج الابريسم، وعليها رجال قد يبست منهم الجلود على العظام يحتسبهم الجاهل قياماً ولكنهم من عدم القوت ماتوا وذاقوا الحمام، فعند ذلك وقف الأمير موسى يسبح الله تعالى ويقدسه وينظر إلى حسن ذلك القصر ومحكم بنائه وعجيب صنعه بأحسن صفة وأتقن هندسة وأكثر نقشة باللازورد الأخضر مكتوب على دائرة هذه الأبيات:
انظر إلى ما ترى يا أيها الـرجـل     وكن على حذر من قبل ترتـحـل
وقدم الزاد من خـير تـفـوز بـه        فكل ساكن داراً سـوف يرتـحـل
وانظر إلى معشر زانوا منازلـهـم      فأصبحوا في الثرى رهناً بما عملوا
بنوا فما نفع الـبـنـيان وادخـروا        لم ينجهم مالهم لما انقضى الأجـل
كم أملوا غير مقدور لهم فمـضـوا      إلى القبور ولم ينفعـهـم الأمـل
واستنزلوا من أعالي عز رتبتـهـم       لذل ضيق لحد ساء مـا نـزلـوا
فجاءهم صارخ من بعد ما دفـنـوا      أين الأسرة والتيجـان والـحـلـل
أين الوجوه التي كانت مـحـجـبة       من دونها تضرب الأستار والكلـل
فأفصح القبر عنهم حسب سائلـهـم      أما الخدود فعندها الورد منتـقـل
قد طال ما أكلوا يوماً وما شـربـوا     فأصبحوا بعد طيب الأكل قد أكلوا
فبكى الأمير موسى حتى غشي عليه، وأمر بكتابة هذا الشعر ودخل القصر.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الواحدة والسبعون بعد الخمسمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الأمير موسى دخل القصر فرأى حجرة كبيرة وأربع مجالس عالية كباراً متقابلة واسعة منقوشة بالذهب والفضة مختلفة وفي وسطها فسقية كبيرة من المرمر وعليها خيمة من الديباج وفي تلك المجالس جهات، وفي تلك الجهات فساقي مزخرفة وحيضان مرخمة ومجار تجري من تحت تلك المجالس، وتلك الأنهر الأربعة تجري وتجتمع في بحيرة عظيمة مرخمة باختلاف الألوان.
ثم قال الأمير موسى للشيخ عبد الصمد ادخل بنا هذه المجالس، فدخلوا المجلس الأول، فوجدوه مملوءاً من الذهب والفضة البيضاء واللؤلؤ والجواهر واليواقيت والمعادن النفيسة ووجدوا فيها صناديق مملوءة من الديباج الأحمر والأصفر والأبيض، ثم إنهم انتقلوا إلى المجلس الثاني ففتحوا خزانة فيه فإذا هي مملوءة بالسلاح وآلات الحرب من الخوذ المذهبة والدروع الداودية والسيوف الهندية والرماح الخطية والدبابيس الخوارزمية، وغيرها من أصناف آلات الحرب والكفاح ثم انتقلوا إلى المجلس الثالث فوجدوا فيه خزائن عليها أقفال مغلقة وفوقها ستارات منقوشة بأنواع الطراز، ففتحوا منها خزانة فوجدوها مملوءة بالآت الطعام والشراب من أصناف الذهب والفضة وسكارج البلور والأقداح المرصعة باللؤلؤ الرطب وكاسات العقيق وغير ذلك فجعلوا يأخذون ما يصلح لهم من ذلك ويحمل كل واحد من العسكر ما يقدر عليه.
فلما عزموا على الخروج من تلك المجالس رأوا هنا باباً من الصاج متداخلاً فيه العاج والأبنوس وهو مصفح بالذهب الوهاج في وسط ذلك القصر وعليه ستر مسبول من حرير منقوش بأنواع الطراز وعليه أقفال من الفضة البيضاء تفتح بالحيلة بغير مفتاح، فتقدم الشيخ عبد الصمد إلى تلك الأقفال وفتحها بمعرفته وشجاعته وبراعته فدخل القوم من دهليز مرخم، وفي جوانب ذلك الدهليز بواقع عليها صور من أصناف الوحوش والطيور وكل ذلك من ذهب أحمر وفضة بيضاء وأعينها من الدر واليواقيت تحير كل من رآها، ثم وصلوا إلى قاعة مصنوعة. فلما رآها الأمير موسى والشيخ عبد الصمد اندهشا من صنعتها، ثم إنهم عبروا فوجدوا قاعة مصنوعة من رخام مصقول منقوش بالجواهر يتوهم الناظر إليها أن في طريقها ماء جارية لو مر عليه لزلق فأمر الأمير موسى الشيخ عبد الصمد أن يطرح عليها شيء حتى يتمكنوا أن يمشوا عليها، ففعل ذلك وتحيل حتى عبروا فوجدوا فيها قبة عظيمة مبنية بحجارة مطلية بالذهب لم يشاهد القوم في جميع ما رأوه أحسن منها. وفي وسط تلك القبة قبة عظيمة من المرمر بدائرها شبابيك منقوشة مرصعة بقضبان الزمرد لا يقدر عليها أحد من الملوك، وفيها خيمة من الديباج منصوبة على أعمدة من الذهب الأحمر، وفيها طيور وأرجلها من الزمرد الأخضر، وتحت كل طير شبكة من اللؤلؤ الرطب مجللة على فسقية وموضوع على الفسقية سرير مرصع بالدر والجواهر والياقوت وعلى السرير جارية كأنها الشمس الضاحية لم ير الراؤون أحسن منها وعليها ثوب من اللؤلؤ الرطب وعلى رأسها تاج من الذهب الأحمر وعصابة من الجوهر، وفي عنقها عقد من الجوهر وفي وسطه جواهر مشرقة. وعلى جوانبها جوهرتان نورهما كنور الشمس وهي كأنها ناظرة إليهم تتأملهم.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الثانية والسبعين بعد الخمسمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الأمير موسى لما رأى هذه الجارية تعجب غاية العجب من جمالها وتحير من حسنها وحمرة خديها وسواد شعرها يظن الناظر أنها بالحياة وليست ميتة، فقالوا لها السلام عليك أيتها الجارية فقال لها طالب بن سهل أصلح الله شأنك أعلم أن هذه الجارية ميتة لا روح فيها فمن أين لها أن ترد السلام ثم إن طالب بن سهل قال له أيها الأمير إنها صورة مدبرة بالحكمة وقد قلعت عيناها بعد موتها وجعل تحتها زئبق وأعيدتا إلى مكانهما فهما يلمعان كأنما يحركهما الهدب يتخيل للناظر أنها ترمش بعينيها وهي ميتة، فقال الأمير موسى سبحان الذي قهر العباد بالموت وأما السرير الذي عليه الجارية فله درج وعلى الدرج عبدان أحدهما أبيض، والآخر أسود بيد أحدهما آلة من الفولاذ، وبيد الآخر سيف مجوهر يخطف الأبصار وبين يدي العبدين لوح من ذهب وفيه كتابة تقرأ وهي: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله خالق الإنسان وهو رب الأرباب ومسبب الأسباب بسم الله الباقي السرمدي بسم الله مقدر القضاء والقدر يا ابن آدم ما أجهلك بطول الأمل وما أسهاك عن حلول الأجل. أما علمت أن الموت لك قد دعا وإلى قبض روحك قد سعى فكن على أهبة الرحيل وتزود من الدنيا فستفارقها بعد قليل. أين آدم أبو البشر أين نوح وما نسل أين الملوك الأكاسرة والقياصرة أين ملوك الهند والعراق أين ملوك الآفاق أين ملوك العمالقة أين الجبابرة؟ لقد خلت منهم الديار وقد فارقوا الأهل والأوطان أين ملوك العجم والعرب لقد ماتوا بأجمعهم وصاروا رمماً أين السادة ذوو الرتب؟ لقد ماتوا جميعاً أين قارون وهامان أين شداد بن عاد بن كنعان وذووا الأوتاد قرضهم الله قارض الأعمار وخلى منهم الديار فهل قدموا ليوم الميعاد واستعدوا لجواب رب العباد يا هذا إن كنت لا تعرفني فأنا أعرفك باسمي ونسبي أنا ترمزين بنت عمالقة الملوك من الذين عدلوا في اليلاد وملكت ما لم يملكه أحد من الملوك، وعدلت في القضية وأنصفت بين الرعية وأعطيت ووهبت، وقد عشت زمناً طويلاً في سرور وعيش رغيد وأعتقت الجواري والعبيد حتى نزل بي طارق وحلت بين يدي الرزايا وذلك أنه قد تواترت علينا سبع سنين لم ينزل علينا ماء من السماء ولا نبت لنا عشب على وجه الأرض فأكلنا ما كان عندنا من القوت فلم يجدوه ثم عادوا غلينا بالمال بعد طول الغيبة فحينئذ أظهرنا أموالنا وذخائرنا وأغلقنا أبواب الحصون التي بمدينتنا وسلمنا الحكم لربنا وفوضنا أمرنا لمالكنا فمتنا جميعاً كما ترانا وتركنا ما عمرنا وما ادخرنا فهذا هو الخبر وما بعد العين إلا الأثر وقد نظروا في أسفل اللوح فرأوا مكتوباً فيه هذه الأبيات:
                بنـي آدم لا يهـزأ بـك الأمــل           عن كل ما ادخرت كفاك ترتحلوا
                أراك ترغب في الدنيا وزينتـهـا         وقد سعى قبلك الماضون والأول
                 قد حصلوا المال من حل ومن حرم     فلم يرد القضا لما انتهى الأجـل
                قادوا العساكر أفواجاً وقد جمعـوا       فخلفوا المال والبنيان وارتحـلـوا
                إلى قبور وضيق في الثرى رقدوا      وقد أقاموا به رهناً بما عمـلـوا
                كأنما الركب قد حطوا رحالهمـو        في جنح ليل بدار ما بهـا نـزل
                فقال صاحبها يا قوم ليس لـكـم          فيها مقام فشدوا بعد ما نـزلـوا
                فكلهم خائف أضحى بهـا وجـلا         ولا يطيب له حل ومـرتـحـل
                فقدم الزاد من خير تسـير غـدا          وليس إلا بتقوى ربك العـمـل
فبكى الأمير موسى لما سمع هذا الكلام وقال والله إن التقوى هي رأس الأمور والتحقيق والركن الوثيق وإن الموت هو الحق المبين، والوعد اليقين فراع فيه يا هذا المرجع والمآب واعتبر بمن سلف قبلك في التراب وبادر إلى سبيل الميعاد، أما ترى الشيب إلى القبر دعاك وبياض شعرك على نفسك قد نعاك فكن على يقظة الرحيل والحساب، يا ابن آدم ما أقسى قلبك فما غرك بربك أين الأمراء السالفة العبرة لمن يعتبر، أين ملوك الصين أهل البأس والتمكين، أين عاد بن شداد وما بنى وعمر ابن النموردو الذي طغى وتجبر، أين فرعون الذي جحد وكفر كلهم قد قهرهم الموت على الاثر، فما بقي صغيراً ولا كبيراً ولا أنثى ولا ذكر قرضهم قارض الأعمار ومكور الليل على النهار اعلم أيها الواصل إلى هذا المكان ممن رآنا أنه لا يغتر بشيء من الدنيا وحطامها، فإنها غدارة مكارة ودار بور وغرو، فطوبى لعبد ذكر ذنبه وخشي ربه وأحسن المعاملة وقدم الزاد ليوم المعاد فمن وصل إلى مدينتنا ودخلها وسهل الله عليه دخولها فيأخذ من المال ما يقدر عليه ولا يمس من فوق جسدي شيئاً فإنه ستر لعورتي وجهازي من الدنيا فليتق الله ولا يسلب منه شيئاً فيهلك نفسه، وقد جعلت ذلك نصيحة مني إليه وأمانة مني لديه والسلام، فأسأل الله أن يكفيكم شر البلايا والسقام.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الثالثة والسبعين بعد الخمسمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الأمير موسى لما سمع هذا الكلام بكى بكاء شديداً حتى غشي عليه فلما أفاق كتب جميع ما رآه واعتبر بما شاهده ثم قال لأصحابه ائتوا بالأعدال واملوها من هذه الأموال وهذه الأواني والتحف والجواهر فقال طالب بن سهل للأمير موسى أيها الأمير اترك هذه الجارية بما عليها وهو شيء لا نظير له ولا يوجد في وقت مثله أوفى ما أخذت من الأموال وأحسن هدية تتقرب إلى أمير المؤمنين، فقال الأمير موسى يا هذا ألم تسمع ما أوصت به الجارية في هذا اللوح لاسيما وقد جعلته أمانة وما نحن من أهل الخيانة فقال الوزير طالب وهل لأجل هذه الكلمات تترك الأموال وهذه الجواهر وهي ميتة فماذا ستصنع بهذا وهو زين الدنيا وجمال الأحياء ويكفي ثوب من القطن نستر به هذه الجارية فهي أحق به منها يا من السلم وصعد على الدرج حتى صار بين العمودين ووصل بين الشخصين وإذا بأحد الشخصين ضربه في ظهره والآخر بالسيف الذي في يده ورمى رأسه ووقع ميتاً فقال الأمير موسى لا رحم الله لك مضجعاً لقد كان هذه الأموال ما فيه كفاية والطمع لاشك يزري بصاحبه ثم أمر بدخول العساكر فدخلوا وحملوا الجمال من تلك الأموال والمعادن ثم إن الأمير موسى أمرهم أن يغلقوا الباب كما كان ثم ساروا على الساحل حتى أشرفوا على جبل عال مشرف على البحر وفيه مغارات كثيرة وإذا فيها قوم من السود وعليهم نطوح وعلى رؤوسهم برانس من نطوح لا يعرف كلامهم، فلما رأوا العسكر جفلوا منهم وولوا هاربين إلى تلك المغارات ونساؤهم وأولادهم على أبواب المغارات.
فقالالأمير موسى يا شيخ عبد الصمد ما هؤلاء القوم فقال هؤلاء طلبة أمير المؤمنين فنزلوا وضربت الخيام وحطت الأموال فما استقر بهم المكان حتى نزل ملك السودان من الجبل ودنا من العسكر وكان يعرف العربية فلما وصل إلى الأمير موسى سلم عليه فرد عليه السلام وأكرمه فقال ملك السودان للأمير موسى أنتم من الإنس أم من الجن فقال الأمير موسى أما نحن فمن الإنس، وأما أنتم فلا شك أنكم من الجن لانفرادكم في هذا الجبل المنفرد عن الخلق ولعظم خلقكم.
فقال ملك السودان بل نحن قوم آدميون من أولاد حام بن نوح عليه السلام وأما هذا البحر فإنه يعرف بالكركر فقال له الأمير موسى ومن أين لكم علم ولم يبلغكم نبي أو وحي إليه في مثل هذه الأرض فقال اعلم أيها الأمير أنه يظهر لنا من هذا البحر شخص له نور تضيء له الآفاق فينادي بصوت يسمعه البعيد والقريب يا أولاد حام استحيوا ممن يرى ولا يرى وقولوا لا إله إلا الله محمد رسول الله، وأنا أبو العباس الخضر، وكنا قبل ذلك نعبد بعضنا فدعانا إلى عبادة رب العباد ثم قال للأمير موسى وقد علمنا كلمات نقولها فقال الأمير موسى وما هذه الكلمات قال هي لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير وما نتقرب إلى الله عو وجل إلا بهذه الكلمات ولا نعرف غيرها وكل ليلة جمعة نرى نوراً على وجه الأرض ونسمع صوتاً يقول سبوح قدوس رب الملائكة والروح ماشاء الله كان وما لم يشأ لم يكن كل نعمة فضل الله ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
فقال له الأمير موسى نحن أصحاب ملك الإسلام عبد الملك بن مروان وقد جئنا بسبب القماقم النحاس التي عندكم في بحركم وفيها الشياطين محبوسة من عهد سليمان عليهما السلام، وقد أمر أن نأتيه بشيء منها يبصره ويتفرج عليه.
فقال له ملك السودان حباً وكرامة ثم أضافهم بلحوم السمك وأمر الغواصين أن يخرجوا من البحر شيئاً من القماقم السليمانية فأخرجوا لهم اثني عشر قمقماً ففرح الأمير موسى بها والشيخ عبد الصمد والعساكر لأجل قضاء حاجة أمير المؤمنين، ثم إن الأمير موسى وهب لملك السودان مواهب كثيرة وأعطاه عطايا جزيلة، وكذلك ملك السودان أهدى إلى الأمير موسى هدية من عجائب البحر على صفة الآدميين وقال له إن ضيافتكم في هذه ثلاثة أيام من لحوم هذا السمك.
فقال الأمير موسى لابد أن نحمل معنا شيئاً حتى ينظر إليه أمير المؤمنين فيطمئن خاطره بذلك أكثر من القماقم السليمانية، ثم ودعوه وساروا حتى وصلوا إلى بلاد الشام، فدخلوا على أمير المؤمنين عبد الملك بن مروان فحدثه الأمير بجميع ما رآه وما وقع له من الأشعار والأخبار والمواعظ، وأخبره بخبر طالب بن سهل.
فقال له أمير المؤمنين ليتني كنت معكم حتى أعاين ما عاينتم، ثم أخذ القماقم وجعل يفتح قمقماً بعد قمقم، والشياطين يخرجون منها ويقولون التوبة يا نبي الله وما نعود لمثل ذلك أبداً فتعجب عبد الملك بن مروان من ذلك، وأما بنات البحر اللواتي أهداها لهم ملك السودان، فإنهم صنعوا لها حيضاناً من خشب وملأوها ماء ووضعوها فيها فماتت من شدة الحر، ثم إن أمير المؤمنين أحضر الأموال وقسمها بين المسلمين.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الرابعة والسبعين بعد الخمسمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن أمير المؤمنين عبد الملك بن مروان لما رأى القماقم وما فيها، تعجب من ذلك غاية العجب وأمر بإحضار الأموال وقسمها بين المسلمين وقال لم يعط الله أحداً مثل ما أعطى سليمان بن داود عليهم السلام، ثم إن الأمير موسى يسأل أمير المؤمنين، أن يستخلف ولده مكانه على بلاده وهو يتوجه إلى القدس الشريف يعبد الله فيه فولى أمير المؤمنين ولده وتوجه إلى القدس الشريف ومات فيه وهذا آخر ما انتهى إلينا من حديث مدينة النحاس على التمام والله أعلم.
النساء وأن كيدهن عظيم وقد بلغنا أيضاً أنه كان في قديم الزمان وسالف العصر والأوان ملك من ملوك الزمان كان كثير الجند والأعوان وصاحب جاه وأموال ولكنه بلغ من العمر مدة ولم يرزق ولداً ذكراً فلما فلق الملك توسل النبي صلى الله عليه وسلم إلى الله تعالى وسأله بجاه الأنبياء والأولياء والشهداء من عباده المقربين أن يرزقه بولد ذكر حتى يرث الملك من بعده ويكون قرة عينه ثم قام من وقته وساعته ودخل قاعة جلوسه وأرسل إلى زوجته فواقعها، فحملت بإذن الله تعالى ومكثت مدة حتى آن أوان وضعها، فولدت ولداً ذكراً وجهه مثل دورة القمر ليلة أربعة عشر فتربى ذلك الغلام إلى أن بلغ من العمر خمس سنين وكان عند ذلك الملك رجل حكيم من الحكماء الماهرين يسمى السندباد فسلم إليه ذلك الغلام فلما بلغ من العمر عشر سنين، علمه الحكمة والأدب إلى أن صار ذلك الولد ليس أحد في هذا الزمان يناظره في العلم والأدب والفهم. فلما بلغ والده ذلك أحضر له جماعة من فرسان العرب يعلمونه الفروسية فمهر فيها وصال وجال في حومة الميدان إلى أن فاق أهل زمانه وسائر اقرانه ففي بعض الأيام نظر ذلك الحكيم في النجوم فرآها طالع الغلام وأنه متى عاش سبعة أيام وتكلم بكلمة صار فيها هلاكه، فذهب الحكيم إلى الملك والده وأعلمه بالخبر فقال له والده فما يكون الراي والتدبير يا حكيم فقال له الحكيم أيها الملك، الرأي والتدبير عندي أن تجعله في مكان نزهة وسماع آلات مطربة يكون فيها إلى أن تمضي السبعة أيام.
فأرسل الملك إلى جارية من خواصه، وكانت أحسن الجواري فسلم إليها الولد وقال لها خذي سيدك في القصر واجعليه عندك ولا ينزل من القصر إلا بعد سبعة أيام تمضي فأخذته الجارية وأجلسته في ذلك القصر وكان في القصر أربعون حجرة وفي كل حجرة عشر جوار وكل جارية معها آلة من آلات الطرب إذا ضربت واحدة منهن ترقص من نغمتها ذلك القصر وحواليه نهر جار مزروع شاطئه بجميع الفواكه والمشمومات وكان ذلك الولد فيه من الحسن والجمال ما لا يوصف فبات ليلة واحدة فرأته الجارية محظية والده فطرق العشق قلبها فلم تتمالك أن رمت نفسها عليه.
فقال لها الولد إن شاء الله تعالى حين أخرج عند والدي أخبره بذلك فيقتلك فتوجهت الجارية إلى الملك، ورمت نفسها بالبكاء والنحيب فقال لها ما خبرك يا جارية كيف سيدك أما هو طيب، فقالت يا مولاي إن سيدي راودني عن نفسي وأراد قتلي على ذلك فمنعته وهربت منه وما بقيت أرجع إليه ولا إلى القصر أبداً.
فلما سمع والده ذلك الكلام حصل له غيظ عظيم فأحضر عنده الوزراء وأمرهم بقتله فقالوا لبعضهم إن الملك صمم على قتل ولده وإن قتله يندم عليه بعد قتله لا محالة فإنه عزيز عنده وما جاء هذا الولد إلا بعد اليأس، ثم بعد ذلك يرجع عليكم باللوم فيقول لكم تدبروا لي تدبيراً يمنعني من قتله، فاتفق رأيهم على أن يدبروا له تدبيراً يمنعه عن قتل ولده.
فتقدم الوزير الأول وقال أنا أكفيكم شر الملك في هذا اليوم فقام ومضى إلى أن دخل على الملك وتمثل بين يديه ثم استأذنه في الكلام فأذن له فقال له أيها الملك لو قدر أنه كان لك ألف ولد لم تسمح نفسك في أن تقتل واداً منهم بقول جارية فإنها إما أن تكون صادقة أو كاذبة، ولعل هذه مكيدة منها لولدك فقال وهل بلغك شيء من كيدهن أيها الوزير؟ قال نعم بلغني أيها الملك أنه كان ملك من ملوك الزمان مغرماً بحب النساء، فبينما هو قاعد في قصره يوماً من الأيام إذ وقعت عينه على جارية وهي على سطح بيتها وكانت ذات حسن وجمال، فلما رآها لم يتمالك نفسه من المبحة فسأل عن ذلك البيت فقالوا له هذا البيت لوزيرك فلان فقام من ساعته وأرسل إلى الوزير فلما حضر بين يديه أمره أن يسافر في بعض جهات المملكة ليطلع عليها ثم يعنود، فسافر الوزير كما أمره الملك.
فلما رأته الجارية عرفته فوثبت على قدميها وقبلت يديه ورجليه فرحبت به ووقفت بعيداً عنه مشتغلة بخدمته، ثم قالت يا مولانا ما سبب القدوم المبارك ومثلي لا يكون له ذلك، فقال سببه أن عشقك والشوق إليك قد أرماني على ذلك، فقبلت الأرض بين يديه ثانياً وثالثاً وقالت له يا مولاي أنا لا أصلح أن أكون جارية لبعض خدام الملك فمن أين يكون لي عندك هذا الحظ حتى صرت عندك بهذه المنزلة فمد الملك يده إليها فقالت هذا الأمر لا يفوتنا ولكن صبراً أيها الملك وأقم عندي هذا اليوم كله حتى أصنع لك شيئاً تأكله قال فجلس الملك على مرتبة وزيره ثم نهضت قائمة وأتته بكتاب فيه من المواعظ والأدب ليقرأ فيه حتى تجهز له الطعام فأخذه الملك وجعل يقرأ فيه فوجد فيه من المواعظ والحكم، وما زجره عن الزنا وكسر همته عن ارتكاب المعاصي.
فلما جهزت له الطعام قدمته بين يديه وكانت عنده الصحون تسعين صحناً فجعل الملك يأكل من كل صحن ملعقة، والطعام أنواع مختلفة وطعمها واحد فتعجب الملك من ذلك غاية العجب، ثم قال أيتها الجارية أرى هذه الأنواع كثيرة وطعمها واحد، فقالت له الجارية أسعد الله الملك هذا مثل ضربته لك لتعتبر به فقال لها وما سببه فقالت أصلح الله حال مولانا الملك إن في قصرك تسعين محظية مختلفات الألوان وطعمهن واحد. فلما سمع الملك هذا الكلام خجل منها وقام من وقته وخرج من المنزل ولم يتعرض لها بسوء ومن خجله نسي خاتمه عندها تحت الوسادة، ثم توجه إلى قصره فلما جلس الملك في قصره حضر الوزير في ذلك الوقت وتقدم إلى الملك وقبل الأرض بين يديه وأعلمه بحال ما أرسله إليه، ثم سار الوزير إلى أن دخل بيته وقعد على مرتبته ومد يده تحت الوسادة فلقي خاتم الملك تحتها فرفعه الوزير وحمله على قلبه وانعزل عن الجارية مدة سنة كاملة ولم يكلمها وهي لا تعلم ما سبب غيظه.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الخامسة والسبعين بعد الخمسمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الوزير انعزل عن الجارية مدة سنة كاملة ولم يكلمها وهي لا تعلم ما سبب غيظه، فلما طال بها المطال ولم تعلم ما سبب ذلك أرسلت إلى أبيها وأعلمته بما جرى لها معه من انعزاله عنها مدة سنة كاملة فقال لها أبوها إني أشكوه حين تكون بحضرة الملك فدخل يوماً من الأيام فوجده بحضرة الملك وبين يديه قاضي العسكر، فادعى عليه فقال أصلح الله تعالى حال الملك إنه كان لي روضة حسنة غرزتها بيدي، وأنفقت عليها مالي حتى أثمرت وطاب جناها فأهديتها لوزيرك هذا فأكل منها ما طاب له ثم رفضها ولم يسقها فيبس زهرها، وذهب رونقها وتغيرت حالتها فقال الوزير أيها الملك صدق هذا في مقالته إني كنت أحفظها وآكل منها فذهبت يوماً إليها فرايت أثر السد هناك فخفت على نفسي فعزلت نفسي عنها ففهم الملك أن الأثر الذي وجده الوزير هو خاتم الملك الذي نسيه في البيت.
فقال الملك عند ذلك لوزيره ارجع أيها الوزير لروضتك وأنت آمن مطمئن فإن الأسد لم يقربها وقد بلغني أنه وصل إليها ولكن لم يتعرض لها بسوء وحرمة آبائي وأجدادي فقال الوزير عند ذلك سمعاً وطاعة ثم إن الوزير رجع إلى بيته وأرسل إلى زوجته وصالحها ووثق بصيانتها وبلغني أيها الملك أيضاً أن تاجراً كان كثير الأسفار وكانت له زوجة جميلة يحبها ويغار عليها من كثرة المحبة فاشترى لها درة فكانت الدرة تعلم سيدها بما يجري في غيبته.
فلما كان في بعض أسفاره تعلقت امرأة التاجر بغلام كان يدخل عليها فتكرمه وتواصله مدة غياب زوجها، فلما قدم زوجها من سفره وأعلمته الدرة بما جرى وقالت له يا سيدي غلام تركي كان يدخل على زوجتك في غيابك فتكرمه غاية الإكرام فهم الرجل بقتل زوجته.
فلما سمعت ذلك قالت له يا رجل اتق الله وارجع إلى عقلك هل يكون لطير عقل أو فهم وإن أردت أن أبين لك ذلك لتعرف كذبها من صدقها فامض هذه الليلة ونم عند بعض أصدقائك، فإذا أصبحت فتعال واسألها حتى تعلم هل تصدق هي فيما تقول أو تكذب، فقام الرجل وذهب إلى بعض أصدقائه فبات عنده.
فلما كان الليل عمدت زوجة الرجل إلى قطعة نطع غطت به قفص الدرة وجعلت ترش على ذلك النطع شيئاً من الماء وتروح عليه بمروحة وتقرب إليها السراج على صورة لمعان البرق وصارت تدير الرحى إلى أن أصبح الصباح.
فلما جاء زوجها قالت له يا مولاي اسأل الدرة، فجاء زوجها إلى الدرة يحدثها ويسألها عن ليلتها الماضية، فقالت له الدرة يا سيدي ومن كان ينظر أو يسمع في تلك الليلة الماضية فقال لها لأي شيء فقالت يا سيدي من كثرة المطر والريح والرعد والبرق فقال لها كذبت إن الليلة التي مضت ما كان فيها شيء من ذلك، فقالت الدرة ما أخبرتك إلا بما عاينت وشاهدت وسمعت فكذبها في جميع ما قالته عن زوجته وأراد أن يصالح زوجته فقالت والله ما اصطلح حتى تذبح هذه الدرة التي كذبت علي فقام الرجل إلى الدرة وذبحها ثم أقام بعد ذلك مع زوجته مدة أيام قلائل ثم رأى في بعض الأيام ذلك الغلام التركي وهو خارج من بيته فعلم صدق قول الدرة وكذب زوجته، فندم على ذبح الدرة ودخل من وقته وساعته على زوجته وذبحها وأقسم على نفسه أنه لا يتزوج بعدها امرأة مدة حياته وما أعلمتك أيها الملك إلا لتعلم أن كيدهن عظيم والعجلة تورث الندامة فرجع الملك عن قتل ولده.
فلما كان في اليوم الثاني دخلت عليه الجارية وقبلت الأرض بين يديه وقالت له أيها الملك كيف أهملت حقي وقد سمع الملوك عنك أنك أمرت بأمر ثم نقضه وزيرك وطاعة الملك من نفاذ أمره وكل واحد يعلم عدلك وإنصافك فانصفني من ولدك.
فقد بلغني أن رجلاً قصاراً يخرج كل يوم إلى شاطئ الدجلة يقصر القماش ويخرج معه ولده فينزل النهر ليعوم فيه مدة إقامته ولم ينهه والده عن ذلك فبينما هو يعوم يوماً من الأيام غذ تعبت سواعده فغرق، فلما نظر إليه أبوه وثب عليه وترامى إليه، فلما أمسكه أبوه تعلق به ذلك الولد فغرق الأب والابن جميعاً فكذلك أنت أيها الملك إذا لم تنه ولدك وتأخذ حقي منه أخاف عليك أن تغرق كل منكما.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة السادسة والسبعين بعد الخمسمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الجارية لما حكت للملك حكاية القصار وولده وقالت أخاف أن تغرق أنت وولدك أيضاً قالت وكذلك بلغني من كيد الرجال أن رجلاً عشق امرأة كانت ذات حسن وجمال وكان لها زوج وكانت تلك المرأة صالحة عفيفة، ولم يجد الرجل العاشق إليها سبيلاً فطال عليه الحال ففكر في الحيلة، وكان لزوج المرأة غلام رباه في بيته وذلك الغلام أمين عنده، فجاء إليه ذلك العاشق وما زال يلاطفه بالهدية والإحسان إلى أن صار الغلام طوعاً له فيما يطلبه منه، فقال له يوماً من الأيام يا فلان أما تدخل بي منزلكم إذا خرجت سيدتك منه فقال له نعم.
فلما خرجت سيدته إلى الحمام وخرج سيده إلى الدكان جاء الغلام إلى صاحبه وأخذ بيده إلى أن أدخله المنزل، ثم عرض عليه جميع ما في المنزل وكان العاشق مصمماً على مكيدة يكيد بها المرأة، فأخذ بياض بيضه معه في إناء ودنا من فراش الرجل وسكبه على الفراش من غير أن ينظر إليه الغلام ثم خرج من المنزل ومضى إلى حال سبيله، ثم بعد ساعة دخل الرجل فأتى الفراش ليستريح عليه فوجد فيه بللاً فأخذه بيده، فلما رآه ظن في عقله أنه مني رجل فنظر إلى الغلام بعين الغضب ثم قال له أين سيدتك فقال له ذهبت إلى الحمام وتعود في هذه الساعة فتحقق ظنه وغلب على عقله أنه مني رجل، فقال للغلام أخرج في هذه الساعة وأحضر سيدتك.
فلما حضرت بين يديه وثب قائماً إليها وضربها ضرباً عنيفاً ثم كتفها وأراد أن يذبحها، فصاحت على الجيران فأدركوها فقالت لهم إن هذا الرجل يريد أن يذبحني ولا أعرف لي ذنباً، فقام عليه الجيران وقالوا له ليس لك عليها سبيل إما أن تطلقها وإما أن تمسكها بمعروف فإنا نعرف عفافها وهي جارتنا مدة طويلة ولم نعلم عليها سوءاً أبداً، فقال إني رأيت في فراشي منياً كمني الرجال وما أدري سبب ذلك فقام رجل من الحاضرين وقال له أرني ذلك.
فلما رآه الرجل قال أحضر لي ناراً ووعاء فلما أحضر له ذلك أخذ البياض قلاه على النار وأكل منه الرجل وأطعم الحاضرين، فتحقق الحاضرون أنها بياض بيض فعلم الرجل أنه ظلم زوجته وأنها بريئة من ذلك، ثم دخل عليه الجيران وصالحوه هو وإياها بعد أن طلقها وبطلت حيلة ذلك الرجل فيما دبره من المكيدة لتلك المرأة وهي غافلة.
فاعلم أيها الملك أن هذا من كيد الرجال فأمر الملك بقتل ولده فتقدم الوزير الثاني وقبل الأرض بين يديه وقال له أيها الملك لا تعجل على قتل ولدك فإن أمه ما رزقته إلا بعد يأس، ونرجو أن يكون ذخيرة في ملكك وحافظاً على مالك فتصبر أيها الملك لعل له حجة يتكلم بها فإن عجلت على قتله ندمت كما ندم الرجل التاجر قال له الملك وكيف كان ذلك وما حكايته يا وزير قال بلغني أيها الملك أنه كان تاجر لطيف في مأكله ومشربه، فسافر يوماً من الأيام إلى بعض البلاد، فبينما هو يمشي في اسواقها وإذا بعجوز معها رغيفان فقال لها هل تبيعيهما فقالت له نعم فساومها بأرخص ثمن واشتراهما منها وذهب بهما منزله فأكلهما ذلك اليوم.
فلما أصبح الصباح عاد إلى ذلك المكان فوجد العجوز ومعها الرغيفان فاشتراهما أيضاً منها ولم يزل كذلك مدة عشرين يوماً، ثم غابت العجوز عنه فسأل عنها فلم يجد لها خبراً، فبينما هو ذات يوم من الأيام في بعض شوارع المدينة إذ وجدها، فوقف وسلم عليها وسألها عن سبب غيابها وانقطاع الرغيفين عنه فلما سمعت العجوز كلامه تكاسلت عن رد الجواب فأقسم عليها أن تخبره عن أمرها.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة السابعة والسبعين بعد الخمسمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن التاجر لما أقسم على العجوز أن تخبره عن أمرها، فقالت له يا سيدي اسمع مني الجواب وما ذلك غلا أني كنت أخدم إنساناً وكانت به أكلة في صلبه وكان عنده طبيب يأخذ الدقيق ويلته بسمن ويجعله على الموضع الذي فيه الوجع طوال ليلته إلى أن يصبح الصباح، فأخذ ذلك الدقيق واجعله رغيفين وأبيعهما لك أو لغيرك، وقد مات ذلك الرجل فانقطع عني الرغيفين.
فلما سمع التاجر ذلك الكلام قال إنا لله وإنا إليه راجعون ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، ولم يزل ذلك التاجر يتقيأ إلى أن مرض وندم ولم يفده الندم، وبلغني أيها الملك من كيد النساء أن رجلاً كان يقف بالسيف على رأس ملك من الملوك وكان لذلك الرجل جارية يهواها، فبعث إليها يوماً من الأيام علامة برسالة على العادة بينهما، فجلس الغلام عندها ولاعبها فمالت إليه وضمته إلى صدرها فطلب منها المجامعة فطاوعته.
فبينما هما كذلك وإذا بسيد الغلام قد طرق الباب، فأخذت الغلام ورمته في طابق عندها ثم فتحت الباب فدخل وسيفه بيده فجلس على فراش المرأة فأقبلت عليه تمازحه وتلاعبه وتضمه إلى صدرها وتقبله، فقام الرجل إليها وجامعها وإذا بزوجها يدق على الباب فقال لها من هذا قالت زوجي، فقال لها كيف أفعل وكيف الحيلة في ذلك، فقالت له قم سل سيفك وقف في الدهليز ثم سبني واشتمني، فإذا دخل زوجي عليك فاذهب وامضي إلى حال سبيلك ففعل ذلك.
فلما دخل زوجها رأى خازندار الملك واقفاً وسيفه مسلول بيده وهو يشتم زوجته ويهددها.
فلما رآه الخازندار استحى وأغمد سيفه وخرج من البيت، فقال الرجل لزوجته ما سبب ذلك فقالت له يا رجل ما ابرك هذه الساعة التي أتيت فيها قد أعتقت نفساً مؤمنة من القتل، وما ذاك إلا أنني كنت فوق السطح أغزل وإذا بغلام قد دخل علي مطروداً ذاهب العقل، وهو يلهث خوفاً من القتل وهذا الرجل مجرد سيفه وهو يسرع وراءه ويجد في طلبه، فوقع الغلام علي وقبل يدي ورجلي وقال يا سيدتي أعتقيني ممن يريد قتلي ظلماً، فخبأته في الطابق الذي عندنا.
فلما رأيت هذا الرجل قد دخل وسيفه مسلول، أنكرته منه حين طلبه مني فصار يشتمني ويهددني كما رأيت، والحمد لله الذي لي فإني كنت حائرة وليس عندي أحد ينقذني فقال لها زوجها نعم ما فعلت يا امرأة أجرك على الله فيجازيك بفعلك خيراً.
ثم إن زوجها ذهب إلى الطابق ونادى الغلام وقال له اطلع لا بأس عليك فطلع من الطابق وهو خائف، والرجل يقول له ارح نفسك لابأس عليك وصار يتوجع لما أصابه والغلام يدعو لذلك الرجل ثم خرجا جميعاً ولم يعلمه بما دبرته هذه المرأة.
فاعلم أيها الملك أن هذا من جملة كيد النساء، فإياك والركون إلى قولهن فرجع الملك عن قتل ولده.
فلما كان اليوم الثالث، دخلت الجارية على الملك وقبلت الأرض بين يديه وقالت له أيها الملك خذ لي حقي من ولدك، ولا تركن إلى قول وزرائك فإن وزرائك اليوم لا خير فيهم، ولا تكن كالملك الذي ركن إلى وزير السوء من وزرائه، فقال لها: وكيف كان ذلك؟  قالت: بلغني أيها الملك السعيد ذا الرأي الرشيد، أن ملكاً من الملوك كان له ولد يحبه ويكرمه غاية الإكرام ويفضله على سائر أولاده، فقال له يوماً من الأيام يا أبت إني اريد أن أذهب إلى الصيد والقنص، فأمر بتجهيزه وأمر وزيراً من وزراءه، إن يخرج معه في خدمته ويقضي له جميع مهماته في سفره فأخذ ذلك الوزير جميع ما يحتاج إليه الولد في السفر، وخرج معهما الخدم والنواب والغلمان، وتوجهوا إلى الصيد حتى وصلوا إلى أرض مخضرة ذات عشب ومرعى ومياه الصيد فيها كثيرة، فتقدم ابن الملك للوزير وعرفه بما أعجبه من التنزه، فأقاموا بتلك الرض مدة أيام وابن الملك في أطيب عيش وأرغده ثم أمرهم ابن الملك بالانصراف، فاعترضته غزالة قد انفردت عن رفقتها فاشتاقت نفسه إلى اقتناصها وطمع فيها فقال للوزير إني أريد أن أتبع هذه الغزالة، فقال له الوزير افعل ما بدا لك فتبعها الولد منفرداً وحده وطلبها طول النهار إلى المساء ودخل الليل، فصعدت الغزالة إلى محل وعر وأظلم على الولد الليل، وأراد الرجوع فلم يعرف أين يذهب فبقي محيراً في نفسه وما زال راكباً على ظهر فرسه إلى أن أصبح الصباح، ولم يلق فرجاً لنفسه ثم سار ولم يزل سائراً خائفاً جائعاً عطشاناً وهو لا يدري أين يذهب حتى انتصف عليه النهار وحميت الرمضاء، وإذا هو قد أشرف على مدينة عالية البنيان مشيدة الأركان وهي قفرة خراب ليس فيها غير البوم والغراب.
فبينما هو واقف عند تلك المدينة يتعجب من رسومها، إذ لاحت منه نظرة فرأى جارية ذات حسن وجمال، تحت جدار من جدرانها وهي تبكي، فدنا منها وقال لها من تكوني، فقالت له أنا بنت التميمة ابنة الطباخ ملك الأرض الشهباء خرجت ذات يوم من الأيام أقضي حاجة لي فاختطفني عفريت من الجن وطار بين السماء والأرض فنزل عليه شهب من نار فاحترق فسقطت ههنا ولي ثلاثة أيام بالجوع والعطش فلما نظرتك طمعت في الحياة.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الثامنة والسبعين بعد الخمسمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن ابن الملك لما خاطبته بنت الطباخ وقالت له نظرتك طمعت في الحياة أدركت ابن الملك علها الرأفة فأركبها وراءه على جواده، وقال لها طيبي نفساً وقري عيناً إن ردني الله سبحانه وتعالى إلى قومي وأهلي أرسلتك إلى أهلك.
ثم سار ابن الملك يلتمس الفرج، فقالت له الجارية التي وراءه يا ابن الملك أنزلني حتى أقضي حاجة تحت هذا الحائط فوقف وأنزلها ثم انتظرها فتوارت في الحائط ثم خرجت بأشنع منظر، فلما رآها ابن الملك اقشعر بدنه وطار عقله وخاف منها وتغيرت حالته.
ثم وثبت تلك الجارية لتركب وراء ظهره على الجواد، وهي في صورة أقبح ما يكون من الصور ثم قالت له يا ابن الملك ما لي أراك قد تغير وجهك فقال لها إني تذكرت أمراً أهمني فقالت له استعن عليه بجيوش أبيك وأبطاله فقال لها إن الذي أهمني لا تزعجه الجيوش ولا يهتم بالأبطال، فقالت استعن عليه بمال أبيك وذخائره فقال لها إن الذي أهمني لا يقنع بالمال ولا بالذخائر فقالت: إنكم تزعمون أن لكم في السماء إلهاً يرى أنه قادر على كل شيء فقال لها نعم ما لنا إلا هو فقالت له ادعه لعله يخلصك مني.
فرفع ابن الملك طرفه إلى السماء وأخلص بقلبه الدعاء وقال: اللهم إني استعنت بك على هذا الأمر الذي أهمني وأشار بيده إليها فسقطت على الأرض محروقة مثل الفحمة، فحمد الله وشكره وما زال يجد في المسير والله سبحانه وتعالى يهون عليه العسير ويدله في الطرق إلى أن أشرف على بلاده ووصل إلى ملك أبيه بعد أن كان قد يئس من الحياة وكان ذلك كله برأي الوزير الذي سافر معه لأجل أن يهلكه في سفرته فنصره الله تعالى، وإنما أخبرتك أيها الملك لتعلم أن وزراء السوء لا يصفون النية ولا يحسنون الطوية مع ملوكهم فكن من ذلك الأمر على حذر.
فاقبل عليهما الملك وسمع كلامها وأمر بقتل ولده، فدخل الوزير الثالث وقال أنا أكفيكم شر الملك في هذا النهار، ثم إن الوزير دخل على الملك وقبل الأرض بين يديه وقال له أيها الملك إني ناصحك ومشفق عليك وعلى دولتك ومشير عليك برأي سديد وهو أن لا تعجل على قتل ولدك وقرة عينك وثمرة فؤادك، فربما كان ذنبه أمراً هيناً قد عظمته عندك هذه الجارية فقد بلغني أن أهل قريتين أفنوا بعضهم على قطرة عسل. فقال له الملك وكيف ذلك فقال له اعلم أيها الملك أنه بلغني أن رجلاً صياداً كان يصيد الوحوش في البرية فدخل يوماً من الأيام كهفاً من كهوف الجبل فوجد فيه حفرة ممتلئة عسل نحل فجمع شيئاً من ذلك العسل في قربة كانت معه ثم حمله على كتفه وأتى به إلى المدينة ومعه كلب صيد وكان ذلك الكلب عزيزاً عليه، فوقف الرجل الصايد على دكان زيات وعرض عليه العسل فاشتراه صاحب الدكان، ثم فتح القربة وأخرج منها العسل لينظره فقطرت القربة قطرة عسل فسقط عليها طير، وكان الزيات له قط فوثب على الطير فرآه كلب الصياد فوثب على القط فقتله، فوثب الزيات على كلب الصياد فقتله فوثب الصياد على الزيات فقتله وكان للزيات قرية وللصياد قرية، فسمعوا بذلك فأخذوا أسلحتهم وعددهم وقاموا على بعضهم بعضاً، والتقى الصفان فلم يزل السيف دائراً بينهم إلى أن مات منهم خلق كثير، لا يعلم عددهم إلا الله تعالى.
وقد بلغني أيها الملك من جملة كيد النساء أن امرأة دفع لها زوجها درهماً لتشتري به أرز، فأخذت منه الدرهم وذهبت به إلى بياع الأرز، فأعطاها الأرز وجعل يلاعبها ويغامزها ويقول لها: إن الأرز لا يطيب إلا بالسكر فإن أردتيه فادخلي عندي قدر ساعة، فدخلت المرأة عنده في الدكان، فقال بياع الأرز لعبده زن لها بدرهم سكر وأعطاه سيده رمزاً فأخذ العبد المنديل من المرأة وفرغ منه الأرز وجعل في موضعه تراباً وجعل بدل السكر حجراً وعقد المنديل وتركه عندها.
فلما خرجت المرأة من عنده، أخذت مندليها وانصرفت إلى منزلها وهي تحسب أن الذي في منديلها أرزاً وسكراً.
فلما وصلت إلى منزلها ووضعت المنديل بين يدي زوجها، وجد فيه تراباً وحجراً، فلما أحضرت القدر قال لها زوجها هل نحن قلنا لك إن عندنا عمارة حتى جئت لنا بتراب وحجر! فلما نظرت إلى ذلك علمت أن عبد البياع نصب عليها وكانت قد أتت بالقدر في يدها فقالت لزوجها يا رجل من شغل البال الذي أصابني لاجيء بالغربال فجئت بالقدر، فقال لها زوجها وأي شيء أشغل بالك؟ قالت له يا رجل إن الدرهم الذي كان معي سقط مني في السوق فاستحيت من الناس أن أدور عليه، وما هان علي أن الدرهم يروح مني فجمعت التراب من ذلك الموضع الذي فيه الدرهم وأردت أن أغربله وكنت رائحة أجيء بالغربال فجئت بالقدر.
ثم ذهبت وأحضرت الغربال وأعطته لزوجها وقالت له غربله فإن عينك أصح من عيني: فقعد الرجل يغربل في التراب إلى أن امتلأ وجهه ودقنه من المغبار وهو لا يدري مكرها وما وقع منها، فهذا أيها الملك من جملة كيد النساء وانظر إلى قول الله تعالى إن كيدهن عظيم، وقوله سبحانه وتعالى إن كيد الشيطان كان ضعيفاً.
فلما سمع الملك من كلام الوزير ما أقنعه وأرضاه وزجره عن هواه وتأمل ما تلاه عليه من آيات الله، سطعت أنوار الصحية على سماء عقله وخلده ورجع عن تصميمه على قتل ولده.

يتبع ,...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

اشهار

Flag Counter
 
- See more at: http://dilo-awra9i.blogspot.com/