Ads 468x60px

اشهار

الجمعة، 18 يوليو 2014

الف ليلة و ليلة 14 :حكاية مدينة النحاس (2\3)



حكاية مدينة النحاس (2\3)
فلما دخل اليوم الرابع، دخلت الجارية على الملك وقبلت الأرض بين يديه وقالت له أيها الملك السعيد ذو الرأي الرشيد: قد أظهرت لك حقي عياناً فظلمتني وأهملت مقاصصة غريمي ولدك ومهجة قلبك وسوف ينصرني الله سبحانه وتعالى كما نصر الله ابن الملك على وزير أبيه فقال وكيف كان ذلك فقالت له الجارية: بلغني أيها الملك أنه كان ملك من الملوك الماضية له ولد ولم يكن له من الأولاد غيره، فلما بلغ ذلك الولد زوجه بابنة ملك آخر وكانت جارية ذات حسن وجمال وكان لها ابن عم قد خطبها من أبيها ولم تكن راضية بزواجها منه.
فلما علم ابن عمها أنها تزوجت بغيره أخذته الغيرة، فاتفق رأي ابن عم الجارية أن يرسل الهدايا إلى وزير الملك الذي تزوج بها ابنه فأرسل إليه هدايا عظيمة وأنفذ إليه أموالاً كثيرة وسأله أن يحتال على قتل ابن الملك بمكيدة تكون سبباً لهلاكه أو يتلطف به حتى يرجع عن زواج الجارية، وبعث يقول له أيها الوزير لقد حصل عندي من الغيرة على ابنة عمي ما حملني على هذا الأمر فلما وصلت الهدايا إلى الوزير قبلها وأرسل إليه يقول له طب نفساً وقر عيناً فلك عندي كل ما تريده، ثم إن الملك أبا الجارية أرسل إلى ابن الملك بالحضور إلى مكانه لأجل الدخول على ابنته. فلما وصل الكتاب إلى ابن الملك أذن له أبوه في المسير وبعث معه الوزير الذي جاءت له الهدايا، وأرسل معهما ألف فارس وهدايا ومحامل وسرادقات وخياماً فسار الوزير مع ابن الملك وفي ضميره أن يكيده بمكيدة وأضمر له في قلبه السوء فلما صاروا في الصحراء تذكر الوزير أن في هذا الجبل عيناً جارية من تعرش بالزهراء وكل من شرب منها إذا كان رجلاً يصير امرأة فلما تذكر الوزير أنزل العسكر بالقرب منها وركب الوزير جواده ثم قال لابن الملك هل لك أن تروح معي نتفرج على عين ماء في هذا المكان، فركب ابن الملك وسار هو ووزير أبيه وليس معهما أحد، وابن الملك لا يدري ما سبق له في الغيب ولم يزالا سائرين حتى وصلا إلى تلك العين، فنزل ابن الملك من فوق جواده وغسل يديه وشرب منها وإذا به قد صار امرأة.
فلما عرف ذلك صرخ وبكى حتى غشي عليه فأقبل عليه الوزير يتوجع لما أصابه ويقول ما الذي أصابك فأخبره الولد بما جرى له، فلما سمع الوزير كلامه توجع له وبكى لما أصاب ابن الملك، ثم قال له يعيذك الله تعالى من هذا الأمر، كيف حلت بك هذه المصيبة، وعظمت بك تلك الرزية، ونحن سائرون بفرحة لك حيث تدخل على ابنة الملك، والآن لا أدري هل نتوجه إليها أم لا والرأي لك فما تأمر به.
فقال الولد ارجع إلى أبي وأخبره بما أصابني، فإني لا أبرح من هنا حتى يذهب عني هذا الأمر أو أموت بحسرتي، فكتب الولد كتاباً إلى أبيه يعلمه بما جرى له، ثم أخذ الوزير الكتاب وانصرف راجعاً إلى مدينة الملك، وترك العسكر والولد وما معه من الجيوش عنده وهو فرحان في الباطن بما فعل بابن الملك.
فلما دخل الوزير على الملك أعلمه بقضية ولده وأعطاه كتابه فحزن الملك على ولده حزناً شديداً، ثم أرسل إلى الحكماء وأصحاب الأسرار أن يكشفوا له عن هذا الأمر الذي حصل لولده فما أحد رد عليه جواباً، ثم إن الوزير أرسل إلى ابن عم الجارية يبشره بما حصل لابن الملك، فلما وصل إليه الكتاب فرح فرحاً شديداً وطمع في زواج ابنة عمه وأرسل إلى الوزير هدايا عظيمة وأموالاً كثيرة وشكره شكراً زائداً، وأما ابن الملك فإنه أقام على تلك العين مدة ثلاثة أيام بلياليها لا يأكل ولا يشرب، واعتمد فيما أصابه على الله سبحانه وتعالى الذي ما خاب من توكل عليه، فلما كان في الليلة الرابعة غذ هو بفارس على رأسه تاج وهو في صفة أولاد الملوك.
فقال له الفارس من أتى بك أيها الغلام إلى هنا؟ فأعلمه الولد بما أصابه وأنه كان مسافراً إلى زوجته ليدخل عليها، وأعلمه أن الوزير قد أتى به إلى عين الماء ليشرب منها فحصل له ما حصل، وكلما تحدث الغلام يغلبه البكاء فيبكي، فلما سمع الفارس كلامه رثى لحاله وقال له إن وزير أبيك هو الذي رماك في هذه المصيبة لأن هذه العين لا يعلم بها أحد من البشر إلا رجل واحد ثم إن الفارس أمره أن يركب معه فركب الولد وقال له الفارس امض معي إلى منزلي فأنت ضيفي في هذه الليلة.
فقال له الولد أعلمني من أنت حتى أسير معك، فقال له أنا ابن ملك الجن وأنت ابن ملك الإنس فطب نفساً وقر عيناً بما يزيل همك وغمك، فهو علي هين فسار معه الولد من أول النهار، وأهمل جيوشه وعساكره ومازال سائراً معه إلى نصف الليل فقال له ابن ملك الجن قطعنا مسييرة سنة للمجد المسافر فتعجب ابن الملك من ذلك وقال له كيف العمل والرجوع إلى أهلي، فقال له ليس هذا من شأنك إنما هو من شأني وحين تبرأ من علتك تعود إلى أهلك في أسرع من طرفة العين وذلك علي هين، فلما سمع الغلام من الجني هذا الكلام طار من شدة الفرح وظن أنه أضغاث أحلام وقال سبحان القدير على أن يرد الشقي سعيد وفرح بذلك فرحاً شديداً.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة التاسعة والسبعين بعد الخمسمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن ابن ملك الجن قال لابن ملك الإنس فحين تبرأ من علتك تعود إلى أهلك في أسرع من طرفة عين ففرح بذلك ولم يزالا سائرين حتى انتهيا إلى عين ماء تسيل من جبال سود، فقال للشاب انزل فنزل الشاب من فوق جواده، ثم قال له اشرب من هذه العين فشرب منها فصار لوقته وساعته ذكراً كما كان أولاً بقدرة الله تعالى، ففرح الشاب فرحاً شديداً ما عليه من مزيد ثم قال له يا أخي ما يقال لهذه العين؟ فقال له يقال لها عين النساء لا تشرب منه امرأة إلا صارت رجلاً فاحمد الله واشكره على العافية واركب جوادك فسجد ابن الملك شكراً لله تعالى، ثم ركب وسارا يجدان السير بقية يومهما حتى رجعا إلى أرض ذلك الجني، فبات الشاب عنده في أرغد عيش ولم يزالا في أكل وشرب إلى أن جاء الليلن ثم قال له ابن ملك الجن أتريد أن ترجع إلى أهلك في هذه الليلة؟ فقال نعم أريد ذلك لأني محتاج إليه، فدعا ابن ملك الجن بعبد له من عبيد أبيه اسمه راجز وقال له خذ هذا الفتى من عندي واحمله على عاتقك ولا تخل الصباح يصبح عليه إلا وهو عند صهره وزوجته فقال له العبد سمعاً وطاعة وحباً وكرامة ثم غاب العبد عنه ساعة وأقبل وهو في صورة عفريت.
فلما رآه الفتى طار عقله واندهش، فقال ابن ملك الجن لا بأس عليك اركب جوادك واعل به فوق عاتقه فقال الشاب بل اركب أنا واترك الجواد عندك ثم نزل الشاب عن الجواد وركب على عاتقه، فقال له ابن ملك الجن أغمض عينيك وطار العبد بين السماء والأرض ولم يزل طائراً به ولم يدر الشاب بنفسه فما جاء ثلث الليل الأخير إلا وهو على قصر صهره فلما نزل على قصره قال له العفريت انزل فنزل وقال افتح عينيك فهذا قصر صهرك وابنته ثم تركه ومضى، فلما أضاء النهار وسكن الشاب من روعه نزل من فوق القصر فلما نظره صهره قام إليه وتلقاه وتعجب حيث رآه فوق القصر، ثم قال له إنا رأينا الناس تأتي من الأبواب وأنت تنزل من السماء فقال له قد كان الذي أراده الله سبحانه وتعالى فتعجب الملك من ذلك وفرح بسلامته.
فلما طلعت الشمس أمر صهره وزيره أن يعمل الولائم العظيمة، فعمل الولائم واستقام العرس، ثم دخل على زوجته وأقام مدة شهرين ثم ارتحل بها إلى مدينة أبيه وأما ابن عم الجارية فإنه هلك من الغيرة والحسد لما دخل بها ابن الملك ونصره الله سبحانه وتعالى عليه وعلى وزير أبيه بزوجته على أتم حال وأكمل سرور فتلقاه أبوه بعسكره ووزرائه، وأنا أرجو الله تعالى أن ينصرك على وزرائك أيها الملك وأنا أسألك أن تأخذ حقي من ولدك، فلما سمع الملك ذلك منها أمر بقتل ولده.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الثمانين بعد الخمسمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن الجارية لما حكت للملك وقالت أسألك أن تأخذ حقي من ولدك أمر بقتله، وكان ذلك في اليوم الرابع فدخل على الملك الوزير الرابع وقبل الأرض بين يديه، وقال ثبت الله الملك وأيده أيها الملك تأن في هذا الأمر الذي عزمت عليه لأن العاقل لا يعمل عملاً حتى ينظر في عاقبته وصاحب المثل يقول:
                          من لم ينظر في العواقب     فما الدهر له بصاحـب
وبلغني أيضاً أيها الملك السعيد من كيد النساء حكاية أخرى قال له الملك وما بلغك قال له بلغني أيها الملك، أن امرأة ذات حسن وجمال وبهاء وكمال لم يكن لها نظير فنظرها بعض الشبان المغاوين فتعلق بها وأحبها محبة عظيمة وكانت تلك المرأة عفيفة عن الزنا وليس لها فيه رغبة فاتفق أن زوجها سافر يوماً من الأيام إلى بعض البلاد فصار الشاب كل يوم يرسل إليها مرات عديدة ولم تجبه فقصد الشاب عجوزاً كانت ساكنة بالقرب منه، فسلم عليها وقعد يشكو إليها ما أصابه من المحبة وما هو عليه من عشق المرأة وأخبرها أنه مراده وصالها، فقالت له العجوز أنا أضمن لك ذلك ولابأس عليك، وأنا أبلغك ما تريد إن شاء الله، فلما سمع الشاب كلامها دفع لها ديناراً ثم انصرف إلى حال سبيله. فلما أصبح الصباح دخلت العجوز على المرأة وجدت معها عهداً ومعرفة وصارت العجوز تتردد إليها في كل يوم وتتغدى وتتعشى عندها وتأخذ من عندها بعض الطعام إلى أولادها، وصارت تلك العجوز تلاعبها وتباسطها إلى أن أفسدت حالها وصارت لا تقدر على مفارقة العجوز ساعة واحدة، فاتفق في بعض الأيام أن العجوز وهي خارجة من عند المرأة كانت تأخذ خبزاً وتجعل فيه شحماً وفلفلاً وتطعمه إلى كلبة مدة أيام فجعلت الكلبة تتبعها من أجل الشفقة والحسنة فأخذت لها يوماً شيئاً كثيراً من الفلفل والشحم وأطعمته لها، فما أكلته صارت عيناها تدمع من حرارة الفلفل ثم تبعتها الكلبة وهي تبكي فتعجبت منها الصبية غاية العجب، ثم قالت للعجوز يا أمي ما سبب بكاء هذه الكلبة؟ فقالت لها يا بنتي هذه لها حكاية عجيبة فإنها كانت صبية وكانت صاحبتي ورفيقتي وكانت صاحبة حسن وجمال وبهاء وكمال وكان قد تعلق بها شاب في الحارة وزاد بها حباً وشغفاً حتى لزم الوسادة وأرسل إليها مرات عديدة لعلها ترق له وترحمه فأبت، فنصحتها وقلت لها يا بنتي أطيعيه في جميع ما قاله وارحميه واشفقي عليه فما قبلت نصيحتي.
فلما قل صبر هذا الشاب شكا لبعض أصحابه، فعملوا لها سحراً وقلبوا صورتها من صورة البشر إلى صورة الكلاب، فلما رأت ما حصل لها وما هي فيه من الأحوال وانقلاب الصورة، ولم تجد من المخلوقين من يشفق عليها غيري، جاءتني إلى منزلي وصارت تستعطف بي وتقبل يدي ورجلي وتبكي وتنتحب فعرفتها وقلت لها كثيراً ما نصحتك فلم يفدك نصحي شيئاً. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الواحدة والثمانين بعد الخمسمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن العجوز صارت تحكي للمرأة خبر الكلبة وتعرفها عن حالها بمكر وخداع لأجل موافقتها لغرض تلك العجوز وجعلت تقول لها لما جاءتني هذه الكلبة المسحورة وبكت قلت لها: كم نصحتك ولكن يا بنتي لما رايتها في هذه الحالة أشفقت عليها وأبقيتها عندي فهي على هذه الحالة وكلما تتفكر حالتها الأولى تبكي على نفسها.
فلما سمعت الصبية كلام العجوز حصل لها رعب كبير وقالت لها يا أمي والله إنك خوفتيني بهذه الحكاية فقالت لها العجوز من أي شيء تخافين فقالت لها إن شاباً مليحاً متعلقاً بحبي وأرسل إلي مرات وأنا أمتنع منه وأنا اليوم أخاف أن يحصل لي مثل ما حصل لهذه الكلبة فقالت لها العجوز احذري يا بنتي أن تخالفي فإني أخاف عليك كثيراً وإذا كنت لم تعرفي محله فأخبريني بصفته وأنا أجيء به إليك ولا تخلي قلب أحد يتغير عليك، فوصفته لها وجعلت تتغافل وتريها أنها لم تعرفه وقالت لها لما أقوم واسأل عنه.
فلما خرجت من عندها ذهبت إلى الشاب تفتش عليه فلم تقف له على خبر وقالت في نفسها كيف العمل أيروح الأكل الذي فعلته خسارة والوعد الذي وعدتني به من الدراهم ولكن لم أخل هذه الحيلة تروح بلا شيء بل أفتش لها على غيره وأجيء به إليها فبينما هي كذلك تدور في الشارع إذا نظرت شاباً حسناً جميلاً على وجهه أثر السفر، فتقدمت إليه وسلمت عليه وقالت له هل لك طعام وشراب وصبية مهيأة، فقال لها الرجل وأين هذا قالت عندي في بيتي فسار معها الرجل والعجوز وهي لا تعلم أنه زوج الصبية حتى وصلت إلى البيت ودقت الباب ففتحت لها الصبية الباب فدخلت وهي تجري لتتهيأ بالملبوس والبخور فأدخلته العجوز في قاعة الجلوس وهي في كيد عظيم. فلما دخلت المرأة عليه ووقع بصرها عليه والعجوز قاعدة عنده بادرت المرأة بالحيلة والمكيدة ودبرت لها أمر في الوقت والساعة ثم سحبت الخف من رجلها وقالت لزوجها ما هكذا العهد الذي بيني وبينك فكيف تخونني وتفعل معي هذا الفعل فإني لما سمعت بحضورك جربتك بهذه العجوز فأوقعتك فيما حذرتك منه وقد تحققت أمرك وإنك نقضت العهد الذي بيني وبينك وكنت قبل الآن أظن أنك طاهر حتى شاهدتك بعيني مع هذه العجوز وإنك تتردد على النساء الفاجرات، وصارت تضربه بالخف على رأسه وهو يتبرأ من ذلك ويحلف لها أنه ما خانها مدة عمره ولا فعل فعلاً مما اتهمته به، ولم يزل يحلف لها أيماناً بالله تعالى وهي تضربه وتبكي وتصرخ وتقول تعالوا إلي يا مسلمين فيمسك فمها بيده وهي تعضه وصار متذللاً لها ويقبل يديها ورجليها وهي لا ترضى عليه ولا تكف يدها عن صفعه، ثم إنها غمزت العجوز أن تمسك يدها عنه فجاءتها العجوز وصارت تقبل يديها ورجليها إلى أن أجلستهما.
فلما جعل الزوج يقبل يد العجوز ويقول لها جزاك الله كل خير حيث خلصتيني منها فصارت العجوز تتعجب من حيلة المرأة وكيدها، وهاذ أيها الملك من جملة مكر النساء وحيلهن وكيدهن، فلما سمعه الملك انتصح بحكايته ورجع عن قتل ولده.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الثانية والثمانين بعد الخمسمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن الوزير الرابع لما حكى الحكاية للملك رجع عن قتل ولده فلما كان في اليوم الخامس دخلت الجارية على الملك بيدها قدم فيه سم واستغاثت ولطمت على خديها ووجهها وقالت له أيها الملك إما أن تنصفني وتأخذ حقي من ولدك، وإلا أشرب هذا القدح السم وأموت ويبقى ذنبي معلقاً بك إلى يوم القيامة فإن وزراءك هؤلاء ينسبونني الكيد والمكر وليس في الدنيا أمكر منهم، أما سمعت أيها الملك حديث الصائغ مع الجارية فقال ما جرى منهما يا جارية.
فقالت: بلغني أيها الملك السعيد أنه كان رجل صائغ مولعاً بالنساء وشرب الخمر فدخل يوماً من الأيام عند صديق له فنظر إلى حائط من حيطان بيته فرأى فيها صورة جارية منقوشة لم ير الراؤون أحسن ولا أجمل ولا أظرف منها فأكثر الصائغ من النظر إليها وتعجب من حسن هذه الصورة ووقع حب هذه الصورة في قلبه إلى أن مرض واشرف على الهلاك فجاءه أحد أصدقائه يزوره فلما جلس عنده سأله عن حاله وما يشكو منه.
فقال له يا أخي إن مرضي كله وجميع ما أصابني من العشق وذلك أني عشقت صورة منقوشة في حائط فلان أخي فلامه الصديق وقال له إن هذا من قلة عقلك فكيف تعشق صورة في حائط لا تضر ولا تنفع ولا تنظر ولا تسمع ولا تأخذ ولا تمنع، فقال له ما صورها المصور إلا على مثال امرأة جميلة فقال له صديقه لعل الذي صورها اخترعها من رأسه، فقال له هاأنا في حبها ميت على كل حال، وإن كان لهذه الصورة شبيه في الدنيا فأنا أرجو الله تعالى أن يمدني بالحياة إلى أن أراه.
فلما قام الحاضرون سألوا عمن صورها فوجدوه قد سافر إلى بلد من البلدان، فكتبوا له كتاباً يشكون له فيه حال صاحبهم، ويسألونه عن تلك الصورة وما سببها وهل هو اخترعها من ذهنه أو رأى لها شبيهاً في الدنيا فأرسل إليهم أني صورت هذه الصورة على شكل جارية مغنية لبعض الوزراء وهي بمدينة كشمير بإقليم الهند.
فلما سمع الصائغ بالخبر وكان ببلاد الفرس تجهز وسار متوجهاً إلى بلاد الهند فوصل إلى تلك المدينة من بعد جهد جهيد، فلما دخل تلك المدينة واستقر فيها ذهب يوماً من الأيام عند رجل عطار من أهل تلك المدينة، واستقر فيها ذهب يوماً من الأيام عند رجل عطار من أهل تلك المدينة، وكان ذلك العطار حاذقاً فطناً لبيباً فسأله الصائغ عن ملكهم وسيرته، فقال له العطار أما ملكنا فعادل حسن السيرة محسن لأهل دولته منصف لرعيته وما يكره في الدنيا إلا السحرة فإذا وقع في يده ساحراً أو ساحرة ألقاهما في جب خارج المدينة ويتركهما بالجوع إلى أن يموتا ثم سأله عن وزرائه فذكر له سيرة كل وزير وما هو عليه إلى أن أنجز الكلام إلى الجارية المغنية، فقال له عند الوزير الفلاني فصبر بعد ذلك أياماً حتى أخذ بتدبير الحيلة. فلما كان في ليلة ذات مطر ورعد وعاصفة ذهب الصائغ وأخذ معه عدة من اللصوص وتوجه إلى دار الوزير سيد الجارية وعلق فيه السلم بكلاليب ثم طلع إلى أعلى القصر، فلما وصل إليه نزل إلى ساحته فرأى جميع الجواري نائمات كل واحدة على سريرها ورأى سريراً من المرمر عليه جارية كأنها البدر إذا أشرف في ليلة أربعة عشر، فقصدها وقعد عند رأسها وكشف الستر علهيا فإذا عليها ستر من ذهب وعند رأسها شمعة وتحت رجليها شمعة، كل شمعة منهما في شمعدان من الذهب وهاتان الشمعتان من العنبر وتحت الوسادة حق من الفضة فيه جميع حليها وهو مغطى عند رأسها فأخرج سكيناً وضرب بها كفل الجارية فجرحها جرحاً واضحاً فانتبهت فزعة مرعوبة، فلما رأته خافت من الصياح، فسكتت وظنت أنه يريد أخذ المال فقالت له خذ الحق والذي فيه وليس لك بقتلي نفع وأنا في جيرتك وفي حسبك، فتناول الرجل الحق بما فيه وانصرف.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الثالثة والثمانين بعد الخمسمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن الصائغ طلع قصر الوزير وضرب الجارية على كفلها فجرحها وأخذ الحق الذي فيه حليها وانصرف فلما أصبح الصباح لبس ثيابه وأخذ معه الحق الذي فيه الحلي ودخل به على ملك تلك المدينة ثم قبل الأرض بين يديه وقال: أيها الملك إنني رجل ناصح لك وأنا من أرض خراسان وقد أتيت مهاجراً إلى حضرتك لما شاع من حسن سيرتك وعدلك في رعيتك فأردت أن أكون تحت لوائك، وقد وصلت إلى هذه المدينة آخر النهار فوجدت الباب مغلوقاً فنمت من خارجه فبينما أنا بين النائم واليقظان إذ رأيت أربع نسوة إحداهن راكبة مكنسة والأخرى راكبة مروحة، فعلمت أيها الملك أنهن سحرة يدخلن مدينتك فدنت إحداهن مني ورفستني برجلها وضربتني بذنب ثعلب كان في يدها فأوجعتني من الضرب فضربتها بسكين كانت معي فأصابت كفلها وهي مولية شاردة، فلما جرحتها انهزمت قدامي، فوقع منها هذا الحق بما فيه فأخذته وفتحته فرأيت فيه هذا الحلي النفيس، فخذه فليس لي به حاجة لأني رجل سائح في الجبال، وقد رفضت الدنيا عن قلبي وزهدتها بما فيها وإني قاصد وجه الله تعالى، ثم ترك الحق بين يدي الملك وانصرف.
فلما خرج من عند الملك فتح الملك ذلك الحق وأخرج جميع الحلي منه وصار يقلبه بيده فوجد فيه عقداً كان أنعم به على الوزير سيد الجارية، فدعا الملك بالوزير فلما حضر بين يديه قال له هذا العقد الذي أهديته إليك، فلما رآه عرفه وقال للملك نعم وأنا أهديته إلى جارية مغنية عندي.
فقال له الملك أحضر لي تلك الجارية فأحضرها، فلما حضرت الجارية بين يدي الملك قال له اكشف عن كفلها وانظر هل فيه جرح أم لا، فكشف الوزير عنه فرأى فيه جرح سكين فقال الوزير للملك نعم يا مولاي فيها الجرح فقال الملك للوزير هذه ساحرة كما قال لي الرجل الزاهد بلا شك ولا ريب، ثم أمر الملك بأن يجعلوها في جب السحرة فأرسلوها إلى الجب في ذلك النهار.
فلما جاء الليل عرف الصائغ أن حيلته قد تمت، جاء إلى حارس الجب وبيده كيس فيه ألف دينار وجلس مع الحارس يتحدث إلى ثلث الليل الأول ثم دخل مع الحارس في الكلام وقال له اعلم يا أخي أن هذه الجارية بريئة من هذه البلية التي ذكروها وأنا الذي أوقعتها، وقص عليه القصة من أولها إلى آخرها، ثم قال له يا أخي خذ هذا الكيس فإن فيه ألف دينار وأعطني الجارية أسافر بها إلى بلادي فهذه الدنانير أنفع لك من حبس الجارية، واغتنم أجرنا ونحن الاثنان ندعو لك بالخير والسلامة.
فلما سمع حكايته تعجب غاية العجب من هذه الحيلة وكيف تمت، ثم أخذ الحارس الكيس بما فيه وتركها له وشرط عليه أن لا يقيم بها في هذه المدينة ساعة واحدة فأخذها الصائغ من وقته وسار وجعل يجد في السير إلى أن وصل إلى بلاده وقد بلغ مراده، فانظر أيها الملك إلى كيد الرجال وحيلتهم ووزراؤك يردونك عن أخذ حقي، وفي غد أوقف أنا وأنت بين يدي حاكم عادل ليأخذ حقي منك أيها الملك. فلما سمع الملك كلامها أمر بقتل ولده فدخل عليه الوزير الخامس وقبل الأرض بين يديه ثم قال أيها الملك العظيم الشأن تمهل ولا تعجل على قتل ولدك فرب عجلة أعقبت ندامة وأخاف عليك أن تندم ندامة الذي لم يضحك بقية عمره فقال له الملك وكيف ذلك أيها الوزير قال بلغني أيها الملك أنه كان رجل من ذوي البيوت والنعم وكان ذا مال وخدم وعبيد وأملاك فمات إلى رحمة الله تعالى وترك ولداً صغيراً، فلما كبر الولد أخذ في الأكل والشرب وسماع الطرب والأغاني وتكرم وأعطى وأنفق الأموال التي خلفها له أبوه حتى ذهب بالمال جميعه. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الرابعة والثمانين بعد الخمسمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن الولد لما أذهب المال الذي خلفه له أبوه ولم يبق منه شيء رجع على بيع العبيد والجواري والأملاك وأنفق جميع ما كان عنده من مال أبيه وغيره فافتقر حتى صار يشتغل مع الفعلة، فمكث على ذلك مدة سنة، فبينما هو جالس يوماً من الأيام تحت حائط ينتظر من يستأجره وإذا هو برجل حسن الوجه والثياب فدنا من الشاب وسلم عليه.
فقال له الولد يا عم هل أنت تعرفني قبل الآن؟ فقال له: لا أعرفك يا ولدي أصلاً بل أرى آثار النعمة عليك وأنت في هذه الحالة، فقال له يا عم نفذ القضاء والقدر فهل لك يا عم ياصبيح الوجه من حاجة تستخدمني فيها فقال له يا ولدي أريد أن أستخدمك في شيء يسير قال له الشاب وما هو يا عم فقال له عندي عشرة من الشيوخ في دار واحدة، وليس عندنا من يقضي حاجتنا، ولك عندنا من المأكل والمشرب ما يكفيك لتقوم بخدمتنا ولك عندنا ما يصل إليك من الخير والدراهم ولعل الله يرد عليك نعمتك بسببنا فقال له الشاب سمعاً وطاعة ثم قال له الشيخ: لي عليك شرط، فقال له الشاب: وما شرطك يا عم؟ فقال له: يا ولدي أن تكون كاتماً لسرنا فيما ترانا عليه وإذا رأيتنا نبكي فلا تسألنا عن سبب بكاؤنا، فقال له الشاب نعم يا عم فقال له الشيخ يا ولدي سر بنا على بركة الله تعالى فقام الشاب خلف الشيخ إلى أن أوصله إلى الحمام فأدخله فيه وأزال عن بدنه ما عليه من القشف، ثم أرسل الشيخ رجلاً فأتى له بحلة حسنة من القماش فألبسه إياها، ومضى به إلى منزله عند جماعته.
فلما دخل الشاب وجدها داراً عالية البنيان مشيدة الأركان واسعة بمجالس متقالبة وقاعات في قاعة فسقية من الماء عليها طيور تغرد وشبابيك تطل من كل جهة على بستان حسن في تلك الدار، فأدخله الشيخ في أحد المجالس فوجده منقوشاً بالرخام الملون ووجد سقفه منقوشاً باللازورد والذهب الوهاج وهو منقوش ببسط الحرير، ووجد فيه عشرة من الشيوخ قاعدين متقابلين وهم لابسون ثياب الحزن يبكون وينتحبون، فتعجب الشاب من أمرهم وهم أن يسأل الشيخ فتذكر الشرط فمنع لسانه، ثم إن الشيخ سلم إلى الشاب صندوقاً فيه ثلاثون ألف دينار وقال له يا ولدي أنفق علينا من هذا الصندوق وعلى نفسك وأنت أمين واحفظ ما استودعتك فيه.
فقال الشاب سمعاً وطاعة ولم يزل الشاب ينفق عليهم مدة أيام وليال، ثم مات واحداً منهم فأخذه أصحابه وغسلوه وكفنوه ودفنوه في روضة خلف الدار، ولم يزل الموت يأخذ منهم واحداً بعد واحد إلى أن بقي الشيخ الذي استخدم ذلك الشاب فاستمر هو والشاب في تلك الدار، وليس معهما ثالث وأقاما على ذلك مدة من السنين ثم مرض الشيخ.
فلما يئس الشاب من حياته أقبل عليه وتوجع له ثم قال له: يا عم أنا خدمتكم وما كنت أقصر في خدمتكم مرة واحدة طيلة اثني عشرة سنة، وأنا أنصح لكم وأخدمكم بجهدي وطاقتي فقال له الشيخ: نعم يا ولدي خدمتنا إلى أن توفيت هذه المشايخ إلى رحمة الله عز وجل ولا بد لنا من الموت فقال الشاب يا سيدي أنت على خطر وأريد منك أن تعلمني ما سبب بكائكم ودوام انتحابكم وحزنكم وتحمركم.
فقال له يا ولدي ما لك بذلك من حاجة ولا تكلفني ما لا أطيق، فإني سألت الله تعالى أن لا يبلي أحداً ببليتي، فإن أردت أن تسلم مما وقعنا فيه فلا تفتح ذلك الباب وأشار إليه بيده وحذره منه، وإن أردت أن يصيبك ما أصابنا فافتحه فإنك تعلم بسبب ما رأيت منا لكنك تندم حيث لا ينفعك الندم.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الخامسة والثمانين بعد الخمسمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن الشيخ الذي بقي من العشرة قال للشاب إحذر أن تفتح هذا الباب فتندم حيث لا ينفعك الندم، ثم تزايدت العلة على الشيخ فمات فغسله الشاب بيده وكفنه ودفنه عند أصحابه، وقعد الشاب في ذلك الموضع وهو مختوم على ما فيه وهو مع ذلك قلق متفكر فيما كان فيه الشيوخ فبينما هو يتفكر يوماً من الأيام في كلام الشيخ ووصيته له بعد فتح الباب إذ خطر بباله أنه ينظر إليه فقام إلى تلك الجهة وفتش حتى رأى باباً لطيفاً قد عشش عليه العنكبوت وعليه أربعة أقفال من البولاد.
فلما نظره تذكر ما حذره منه الشيخ فانصرف عنه وصارت نفسه تراوده على فتح الباب وهو يمنعها مدة سبعة أيام وفي اليوم الثامن غلبت عليه نفسه وقال لابد أن أفتح الباب وأنظر أي شيء يجري علي منه فإن قضاء الله تعالى وقدره لا يرده شيء، ولا يكون أمر من الأمور إلا بإرادته فنهض وفتح الباب بعد أن كسر الأقفال، فلما فتح الباب رأى دهليزاً ضيقاً فجعل يمشي فيه مقدار ثلاث ساعات وإذا به قد خرج على شاطئ نهر عظيم فتعجب الشاب من ذلك، وصار يمشي على ذلك الشاطئ وينظر يميناً وشمالاً وإذا بعقاب كبير قد نزل من الجو فحمل ذلك الشاب في مخالبه وطار فيه بين السماء والأرض إلى أن أتى به إلى جزيرة في وسط البحر فألقاه فيها وانصرف عنه ذلك العقاب فصار الشاب متحيراً في أمره ولا يدري أين يذهب.
فبينما هو جالس يوماً من الأيام وإذا بقلع مركب قد لاح له في البحر كالنجمة في السماء فتعلق خاطر الشاب بالمركب لعل نجاته تكون فيه وصار ينظر إليه حتى وصل إلى قرية، فلما وصل رأى زورقاً من العاج والأبنوس ومجاذيفه من الصندل والعود وهو مصفح جميعه بالذهب الوهاج، وفيه عشر من الجواري الأبكار كأنهم القمار فلما نظرنه الجواري طلعن إليه من الزورق وقبلن يده وقلن أنت الملك العريس، ثم تقدمت إليه جارية وهي كالشمس الضاحية في السماء الصافية وفي يدها منديل حرير فيه خلعة ملوكية وتاج من الذهب مرصع بأنواع اليواقيت.
فتقدمت إليه وألبسته وتوجته وحملته على الأيدي إلى ذلك الزورق فوجد فيه أنواعاً من بسط الحرير الملون ثم نشرن القلوع وسرن في لجج البحر قال الشاب: فلما سرت معهم اعتقدت أن هذا منام ولا أرى أين يذهبن بي، فلما أشرفن على البر رأيت البر قد امتلأ بعساكر لا يعلم عدتهم إلا الله سبحانه وتعالى وهم متدرعون، ثم قدموا إلي خمسة من الخيل المسمومة بسروج من ذهب مرصعة بأنواع اللآلئ والفصوص الثمينة، فأخذت منها فرساً فركبته والأربعة سرات معي.
ولما ركبت انعقدت على رأسي الرايات والأعلام ودقت الطبول وضربت الكاسات ثم ترتبت العساكرميمنة وميسرة، وصرت أردد هل أنا نائم أو يقظان ولم أزل سائراً لا أصدق بما أنا فيه من الموكب، بل أظن أنه أضغاث أحلام حتى أشرفنا على مرج أخضر فيه قصور وبساتين وأشجار وأزهار وأطيار تسبح الواحد القهار فبينما هم كذلك وإذا بعسكر قد برز من بين تلك القصور والبساتين مثل السيل إذا انحدر إلى أن ملأ ذلك المرج، فلما دنوا مني وقفت تلك العساكر، وإذا بملك منهم قد تقدم بمفرده راكباً وبين يديه بعض خواصه مشاة، فلما قرب الملك من الشاب نزل عن جواده فلما رأى الملك نزل عن جواده نزل الآخر، ثم سلما على بعضهما أحسن سلام ثم ركبوا خيولهم فقال الملك للشاب سر بنا فإنك ضيفي فسار معه الشاب وهم يتحدثون والمواكب مرتبة وهي تسير بين أيديهما إلى قصر الملك، ثم نزلوا ودخلوا جميعاً..
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة السادسة والثمانين بعد الخمسمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الملك لما أخذ الشاب سار هو وإياه بالموكب حتى دخلا القصر ويد الشاب في يد الملك، ثم أجلسه على كرسي من الذهب وجلس عنده، فلما كشف ذلك الملك اللثام عن وجهه إذا هو جارية كأنها الشمس الضاحية في السماء الصافية ذات حسن وجمال وبهاء وكمال وعجب ودلال فنظر الشاب إلى نعمة عظيمة وسعادة جسيمة وصار الشاب متعجباً من حسنها وجمالها، ثم قالت له اعلم أيها الملك أني ملكة هذه الأرض وكل هذه العساكر التي رأيتها وجميع ما رأيته من فارس أو راجل فهو من نساء ليس فيهن رجال، والرجال عندنا في هذه الأرض يحرثون ويزرعون ويحصدون ويشتغلون بعمارة الأرض وعمارة البلاد ومصالح الناس من سائر الصناعات، وأما النساء فهن الحكام وأرباب المناصب والعساكر فتعجب الشاب من ذلك غاية العجب، فبينما هم كذلك وإذا بالوزير قد دخل وإذا هي عجوز شمطاء وهي محتشمة ذات هيبة ووقار.
فقالت لها الملكة أحضري لنا القاضي والشهود، فمضت العجوز لذلك ثم عطفت على الشاب تنادمه وتؤانسه وتزيل وحشته بكلام لطيف، ثم أقبلت عليه وقالت له أترضى أن أكون لك زوجة، فقام وقبل الأرض بين يدها فمنعته فقال لها: يا سيدتي أنا أقل من الخدم الذين يخدمونك، فقالت له أما ترى جميع ما نظرته من الخدم والعساكر والمال والخزائن والذخائر فقال لها نعم فقالت له جميع ذلك بين يديك تتصرف فيه بحيث تعطي وتهب ما بدا لك ثم إنها أشارت إلى باب مغلق وقالت له ذلك تتصرف فيه إلا هذا الباب فلا تفتحه فإذا فتحته ندمت حيث لا ينفعك الندم فما استتمت كلامها إلا والوزير والقاضي والشهود معها.
فلما حضروا وكلهن عجائز ناشرات الشعر على أكتافهن وعليهن هيبة ووقار قال: فلما أحضرن بين يدي الملكة أمرتهن أن يعقدن العقد تزويج فزوجنها الشاب وعملت الولائم وجمعت العساكر، فلما أكلوا وشربوا دخل عليها ذلك الشاب فوجدها بكراً عذراء، فأزال بكارتها وأقام معها سبعة أعوام في ألذ عيش وأهنأه وأطيبه، فتذكر ذات يوم من الأيام فتح الباب وقال لو لم يكن فيه ذخائر جميلة أحسن مما رأيت ما منعتني عنه، ثم قام وفتح الباب وإذا الطائر الذي حمله من ساحل البحر وحطه في الجزيرة فلما نظره ذلك الطائر قال له لا مرحباً بوجه لا يفلح أبداً.
فلما نظره وسمع كلامه هرب منه فتبعه وخطفه وطار به بين السماء والأرض مسافة ساعة وحطه في المكان الذي خطفه منه، ثم غاب عنه فجلس مكانه ثم رجع إلى عقله وتذكر ما نظره قبل ذلك من النعمة والعز والكرامة وركوب العسكر أمامه والأمر والنهي فجعل يبكي وينتحب، ثم أقام على ساحل البحر الذي وضعه فيه ذلك الطائر مدة شهرين، وهو يتمنى أن يعود إلى زوجته، فبينما هو ذات ليلة من الليالي سهران حزين متفكر، وإذا بقائل يقول وهو يسمع صوته ولا يرى شخصه وهو ينادي ما أعظم اللذات هيهات أن يرجع إليك ما فات فأكثر الحسرات.
فلما سمعه ذلك الشاب يئس من لقاء تلك الملكة ومن رجوع النعمة التي كان فيها إليه ثم دخل الدار التي كان فيها المشايخ، وعلم أنهم قد جرى لهم مثل ما جرى له وهذا الذي كان سبب بكائهم وحزنهم فعذرهم بعد ذلك ثم إن الشاب أخذه الحزن والهم ودخل ذلك المجلس ومازال يبكي وينوح وترك المأكل والمشرب والروائح الطيبة والضحك إلى أن مات ودفنوه بجانب المشايخ فاعلم أيها الملك أن العجلة ليست محمودة، وإنما هي تورث الندامة وقد نصحتك بهذه النصيحة فلما سمع الملك ذلك الكلام اتعظ وانتصح ورجع عن قتل ولده.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة السابعة والثمانين بعد الخمسمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الملك لما سمع حكاية الوزير رجع عن قتل ولده فلما كان في اليوم السادس دخلت الجارية على الملك وفي يدها سكين مسلولة، وقالت اعلم يا سيدي: أنك لا تقبل شكايتي وترع حقك وحرمتك فيمن تعدى علي وهم وزراؤك الذين يزعموا أن النساء صاحبات حيل ومكر وخديعة ويقصدون بذلك ضياع حقي وإهمال الملك النظر في حقي، وها أنا أحقق بين يديك أن الرجال أمكر من النساء بحكاية ابن ملك من المولك حيث خلا بزوجة تاجر فقال لها الملك وأي شيء جرى له معها؟  قالت: بلغني أيها الملك السعيد أنه كان تاجراً من التجار غيوراً، وكان عنده زوجة ذات حسن وجمال فمن كثرة خوفه وغيرته عليها لم يسكن بها في المدائن وإنما عمل لها خارج المدينة قصراً منفرداً وحده عن البنيان وقد أعلى بنيانه وشيد أركانه وحصن أبوابه وأحكم إقفاله، فإذا أراد الذهاب إلى المدينة قفل الأبواب وأخذ مفاتيحها معه وعلقها في رقبته، فبينما هو يوماً من الأيام في المدينة إذ خرج ابن ملك تلك المدينة يتنزه خارجها ويتفرج على الفضاء فنظر ذلك الخلاء وصار يتأمل فيه زماناً طويلاً لعينه ذلك القصر فنظر فيه جارية عظيمة تطل من بعض طيقان القصر، فلما نظرها صار متحير في حسنها وجمالها وأراد الوصو إليها فلم يمكنه ذلك، فدعا بغلام من غلمانه فأتاه بداوة وورقة وكتب عليها شرح حاله من المحبة وجعلها في سنان نشابة ثم رمى النشابة داخل القصر فنزلت عليها وهي تمشي في بستان فقالت لجارية من جواريها أسرعي إلى هذه الورقة وناولينيها وصارت تقرأ الخط.
فلما قرأتها وعرفت ما ذكره لها من الذي أصابه من المحبة والشوق والغرام كتبت له جواب ورقته وذكرت له أنه قد وقع عندها من المحبة أكثر مما عنده ثم أطلت عليه من طاقة القصر فرأته فألقت إليه الجواب واشتد بها الشوق فلما نظر إليها جاء تحت القصر وقال لها: ارمي من عندك خيطاً لأربط فيه هذا المفتاح حتى تأخذيه عندك فرمت له خيطاً وربط فيه المفتاح ثم انصرف إلى وزرائه فشكا إليهم محبة تلك الجارية وأنه قد عجز عن الصبر عنها، فقال له بعضهم وما التدبير الذي تأمرني له ابن الملك أريد منك رأن تجعلني في صندوق وتودعه عند هذا التاجر في قصره وتجعل أن ذلك الصندوق لك حتى أبلغ أربي من تلك الجارية مدة أيام، ثم تسترجع ذلك الصندوق فقال له الوزير حباً وكرامة.
ثم إن ابن الملك لما توجه إلى منزله جعل نفسه داخل صندوق كان عنده وأغلق الوزير عليه وأتى به إلى قصر التاجر، فلما حضر التاجر بين يدي الوزير قبل يديه، وقال له التاجر لعل لمولانا الوزير خدمة أو حاجة نفوز بقضائها فقال له الوزير أريد منك أن تجعل هذا الصندوق في أعز مان عندك فقال التاجر للحاملين احملوه فحملوه، ثم أدخله التاجر في القصر ووضعه في خزانة عنده ثم بعد ذلك خرج إلى بعض أشغاله فقامت الجارية إلى الصندوق وفتحته بالمفتاح الذي معها فخرج منه شاب مثل القمر فلما رأته لبست أحسن ملبوسها وذهبت به إلى قاعة الجلوس وقعدت معه في أكل وشرب مدة سبعة أيام وكلما يحضر زوجها تجعله في الصندوق وتقفل عليه.
فلما كان في بعض الأيام سأل الملك ولده، فخرج الوزير مسرعاً إلى بيت التاجر وطلب منه الصندوق.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الثامنة والثمانين بعد الخمسمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الوزير لما حضر إلى منزل التاجر طلب الصندوق، فجاء التاجر إلى قصره على خلاف العادة وهو مستعجل فطرق الباب فأحست به الجارية، فأخذت ابن الملك وأدخلته في الصندوق وذهلت عن قفله، فلما وصل التاجر إلى المنزل هو والحاملون حملوا الصندوق من غطائه فانفتح وكان فيه ابن الملك راقداً فلما رآه التاجر وعرفه خرج إلى الوزير وقال له ادخل أنت وخذ ابن الملك فلا يستطيع أحد منا أن يمسكه فدخل الوزير وأخذه ثم انصرفوا جميعاً.
فلما انصرفوا أطلق التاجر الجارية، وأقسم على نفسه أن لا يتزوج أبداً وبلغني أيضاً أيها الملك أن رجلاً من الظرفاء دخل السوق فوجد غلاماً ينادى عليه للبيع فاشتراه وجاء به إلى منزله وقال لزوجته استوصي به فأقام الغلام مدة من الزمان فلما كان في بعض الأيام قال الرجل لزوجته أخرجي غداً إلى البستان وتفرجي وتنزهي وانشرحي، فقالت حباً وكرامة فلما سمع الغلام ذلك عمد إلى طعام وجهزه في تلك الليلة وإلى شراب ونقل وفاكهة ثم توجه إلى البستان وجعل ذلك الطعام تحت شجرة وجعل ذلك الشراب تحت شجرة والفواكه والنقل تحت شجرة في طريق زوجة سيده. فلما أصبح أمر الرجل الغلام أن يتوجه مع سيدته إلى ذلك البستان وأمر بما يحتاجون إليه من المأكل والمشرب والفواكه، ثم طلعت الجارية وركبت فرساً والغلام معها حتى وصلوا إلى ذلك البستان، فلما دخلوا نعق غراب فقال له الغلام صدقت فقالت له سيدته هل أنت تعرف ما يقول الغراب فقال لها نعم يا سيدتي قالت له فما يقول قال لها يا سيدتي يقول إن تحت هذه الشجرة طعاماً تعالوا كلوه فقالت له أراك تعرف لغات الطير فقال لها نعم فتقدمت الجارية إلى تلك الشجرة فوجدت طعاماً مجهزاً، فلما أكلوه تعجبت منه غاية العجب واعتقدت أنه يعرف لغات الطير.
فلما أكلوا ذلك الطعام تفرجوا في البستان فنعق الغراب فقال له الغلام صدقت فقالت له سيدته أي شيء يقول قال يا سيدتي يقول إن تحت الشجرة الفلانية كوز ماء ممسك وخمراً عتيقاً فذهبت هي وإياه فوجدا ذلك فتزايدت عجباً وعظم الغلام عندها فقعدت مع الغلام يشربان، فلما شربا مشيا في ناحية البستان فنعق الغراب فقال له الغلام صدقت فقالت له سيدته أي شيء يقول هذا الغراب قال يقول إن تحت الشجرة الفلانية فواكهة ونقلاً فذهبا إلى تلك الشجرة فوجدا ذلك فأكلا من تلك الفواكه والنقل، ثم مشيا في البستان فنعق الغراب، فأخذ الغلام حجراً ورماه به فقالت مالك تضربه وما الذي قاله، قال يا سيدتي إنه يقول كلاماً ما أقدر أن أقوله قالت قل ولا تستح مني أنا ما بيني وبينك شيء فصار يقول لا وهي تقول قل، ثم أقسمت عليه فقال لها إنه يقول لي افعل بسيدتك مثل ما يفعل بها زوجها، فلما سمعت كلامه ضحكت حتى استلقت على قفاها، ثم قالت له حاجتك هينة لا أقدر أن أخالفك فيها، ثم توجهت نحو شجرة من الأشجار وفرشت تحتها الفرش ونادته ليقضي لها حاجتها وإذا بسيده خلفه ينظر إليه فناداه وقال له يا غلام ما لسيدتك راقدة هناك تبكي، فقال يا سيدي وقعت من فوق شجرة فماتت وما ردها عليك الله سبحانه وتعالى فرقدت هاهنا ساعة لتستريح.
فلما رأت الجارية زوجها فوق رأسها قامت وهي متمردة تتوجع وتقول آه يا ظهري يا جنبي تعالوا إلي يا أحبائي ما بقيت أعيش، فصار زوجها مبهوتاً ثم نادى الغلام وقال له هات لسيدتك الفرس واركبها، فلما ركبت أخذ الزوج بركابها والغلام بركابها الثاني ويقول لها والله يعافيك ويشفيك وهذا أيها الملك من جملة حيل الرجال ومكرهم فلا يرد وزراؤك عن نصرتي والأخذ بحقي ثم بكيت، فلما رأى الملك بكاءها وهي عنده أعز جواريه أمر بقتل ولده فدخل عليه الوزير السادس وقبل الأرض بين يديه وقال له أعز الله تعالى الملك إني ناصحك ومشير عليك بالتمهل في أمر ولدك.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة التاسعة والثمانين بعد الخمسمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الوزير السادس قال له أيها الملك تمهل في أمر ولدك فإن الباطل كالدخان والحق مشيد الأركان ونور الحق يذهب ظلام الباطل واعلم أن مكر النساء عظيم وقد قال الله في كتابه العزيز إن كيدهن عظيم وقد بلغني حديث امرأة فعلت مع أرباب الدولة مكيدة ما سبقها بمثلها أحد قط فقال الملك وكيف كان ذلك قال الوزير بلغني أيها الملك أن امرأة من بنات التجار كان لها زوج كثير الأسفار فسافر زوجها إلى بلاد بعيدة وأطال الغيبة فزاد عليها الحال فعشقت غلاماً ظريفاً من أولاد التجار وكانت تحبه ويحبها محبة عظيمة، ففي بعض الأيام تنازع الغلام مع رجل فشكا الرجل إلى والي تلك البلد فسجنه فبلغ خبره زوجة التاجر معشوقته فطار عقلها عليه، فقامت ولبست أفخر ملبوسها ومضت إلى منزل الوالي فسلمت عليه ودفعت له ورقة تذكر فيها أن الذي سجنته وحبسته هو أخي فلان الذي تنازع مع فلان، والجماعة الذين شهدوا عليه قد شهدوا باطلاً وقد سجن في سجنك وهو مظلوم وليس عندي من يدخل علي ويقوم بحالي غيره واسأل من فضل مولانا إطلاقه من السجن. فلما قرأ الوالي الورقة ثم نظر إليها فعشقها وقال لها أدخلي المنزل حتى أحضره بين يدي ثم أرسله إليك فتأخذينه، فقالت له يا مولانا ليس لي أحد إلا الله تعالى وأنا امرأة غريبة لا أقدر على دخول منزل أحد، فقال لها الوالي لا أطلقه لك حتى تدخلي المنزل وأقضي حاجتي منك، فقالت له وإن أردت ذلك فلابد أن تحضر عندي في منزلي وتقعد وتنام وتستريح نهارك كله فقال لها وأين منزلك فقالت له في الموضع الفلاني ثم خرجت من عنده وقد اشتغل قلب الوالي.
فلما خرجت دخلت على قاضي البلد وقالت له يا سيدنا القاضي قال لها نعم قالت له انظر في أمري وأجرك على الله، فقال لها من ظلمك قالت له يا سيدي لي أخ وليس لي أحد غيره وهو الذي كلفني الخروج إليك لأن الوالي قد سجنه وشهدوا عليه بالباطل أنه ظالم وإنما أطلب منك أن تشفع لي عند الوالي فلما نظرها القاضي عشقها فقال لها ادخلي المنزل عند الجواري واستريحي معنا ساعة ونحن نرسل إلى الوالي بأن يطلق أخاك ولو كنا نعرف الدراهم التي عليه كنا دفعناها من عندنا لأجل قضاء حاجتنا لأنك أعجبتينا من حسن كلامك فقالت له إذا كنت أنت يا مولانا تفعل ذلك فما نلوم الغير، فقال لها القاضي إن لم تدخلي منزلنا فاخرجي إلى حال سبيلك، فقالت له إن أردت ذلك يا مولانا فيكون عندي في منزلي أستر وأحسن من منزلك فإن فيه الجواري والخدم والداخل والخارج وأنا امرأة ما أعرف شيئاً من هذا الأمر لكن الضرورة تحوج فقال لها القاضي وأين منزلك فقالت له في الموضع الفلاني وواعدته على اليوم الذي وعدت فيه الوالي، ثم خرجت من عند القاضي إلى منزل الوزير فرفعت إليه قصتها وشكت إليه ضرورة أخيها وأنه سجنه الوالي فراودها الوزير عن نفسها فقال لها نقضي حاجتنا منك ونطلق لك أخاك. فقالت له إن أردت فيكون عندي في منزلي فإنه أستر لي ولك ولأن المنزل لي بعيداً وأنت تعرف ما نحتاج إليه من النظافة والظرافة فقال لها الوزير وأين منزلك فقالت له في الموضع الفلاني وواعدته على ذلك اليوم، ثم خرجت من عنده إلى ملك تلك المدينة ورفعت إليه قصتها وسألته إطلاق أخيها فقال لها من حبسه قالت له حبسه الوالي فلما سمع الملك كلامها رشقته بسهام العشق في قلبه، فأمرها أن تدخل معه القصر حتى يرسل إلى الوالي ويخلص أخاها فقالت له أيها الملك هذا أمر يسهل عليك إما باختيار وإما قهراً عني، فإن كان الملك أراد ذلك مني فإنه من سعد حظي ولكن إذا جاء إلى منزلي يشرفني بنقل خطواته الكرام كما قال الشاعر:
                  خليلي هل أبصرتما أو سمعتما       زيارة من جلت مكارمه عندي
فقال لها الملك لا نخالف لك أمراً، فواعدته في اليوم الذي واعدت فيه غيره وعرفته منزلها.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة التسعين بعد الخمسمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن المرأة لما أجابت الملك وعرفته منزلها وواعدته على ذلك اليوم الذي واعدت فيه الوالي والقاضي والوزير ثم خرجت من عنده فجاءت إلى رجل نجار، وقالت له أريد منك أن تصنع لي خزانة بأربع طبقات بعضها فوق بعض كل طبقة بباب يقفل عليها، وأخبرني بقدر أجرتك فأعطيك فقال لها أربعة دنانير وإن أنعمت علي أيتها السيدة المصونة بالوصال فهو الذي أريد ولا آخذ منك شيئاً، فقالت له إن كان ولا بد فاعمل لي خمس طبقات بأقفالها، فقال: حباً وكرامة وواعدته أن يحضر لها الخزانة في ذلك اليوم بعينه، فقال لها النجار يا سيدتي اقعدي حتى تأخذي حاجتك في هذه الساعة وأنا بعد ذلك أجيء على مهلي فقعدت عنده حتى عمل لها الخزانة بخمس طبقات وانصرفت إلى منزلها فوضعتها في المحل الذي فيه الجلوس، ثم إنها أخذت أربعة ثياب وحملتها إلى الصباغ، فصبغ كل ثوب لوناً وكل لون خلاف الآخر وأقبلت على تجهيز المأكول والمشروب والمشموم والفواكه والطيب. فلما جاء يوم الميعاد لبست أفخر ملبوسها وتزينت وتطيبت، ثم فرشت المجلس بأنواع البسط الفاخرة وقعدت تنتظر من يأتي، وإذا بالقاضي دخل عليها قبل الجماعة فلما رأته قامت واقفة على قدميها وقبلت الأرض بين يديه وأخذته وأجلسته على ذلك الفراش ونامت معه ولاعبته، فأراد منها قضاء الحاجة فقالت له يا سيدي اخلع ثيابك وعمامتك والبس هذه الغلالة الصفراء واجعل هذا القناع على رأسك حتى أحضر المأكول والمشروب، وبعد ذلك تقضي حاجتك فأخذت ثيابه وعمامته ولبس الغلالة والقناع، وإذا بطارق يطرق الباب فقال لها القاضي من هذا الذي يطرق الباب؟ فقالت له هذا زوجي فقال لها وكيف العمل وأين أروح أنا، فقالت له لا تخاف فإني أدخلك هذه الخزانة فقال لها افعلي ما بدا لك، فأخذته من يده وأدخلته في الطبقة السفلى وأقفلت عليه، ثم إنها خرجت إلى الباب وفتحته وإذا هو الوالي، فلما رأته قبلت الأرض بين يديه وأخذته بيدها وأجلسته على ذلك الفراش وقالت له يا سيدي إن الموضع موضعك والمحل محلك وأنا جاريتك ومن بعض خدامك وأنت تقيم هذا النهار عندي فاخلع ما عليك من الملبوس والبس هذا الثوب الأحمر فإنه ثوب النوم، وقد جعلت على رأسه خلقاً من خرقة كانت عندها فلما أخذت ثيابه أتت إليه في الفراش ولاعبته ولاعبها فلما مد يده إليها قالت له يا مولانا هذا النهار نهارك وما أحد يشاركك فيه ولكن من فضلك وإحسانك كتب لي ورقة بإطلاق أخي من السجن، حتى يطمئن خاطري فقال لها السمع والطاعة على الرأس والعين، وكتب كتاباً إلى خازنداره يقول فيه ساعة وصول هذه المكاتبة إليك تطلق فلاناً من غير إمهال ولا إهمال ولا ترجع حاملها بكلمة ثم ختمها وأخذتها منه ثم أقبلت تلاعبه على الفراش وإذا بطارق يطرق الباب فقال لها من هذا؟ قالت زوجي، قال: كيف أعمل؟ فقالت له: ادخل هذه الخزانة حتى أصرفه وأعود إليك. فأخذته وأدخلته في الطبقة الثانية وقفلت عليه كل هذا والقاضي يسمع كلامها.
ثم خرجت إلى الباب وفتحته وإذا هو الوزير قد أقبل، فلما رأته قبلت الأرض بين يديه وتلقته وخدمته وقالت له يا سيدي: لقد شرفتنا بقدومك في منزلنا يا سيدنا فلا أعدمنا الله هذه الطلعة ثم أجلسته على الفراش وقالت له اخلع ثيابك وعمامتك والبس هذه التخفيفة، فخلع ما كان عليه وألبسته غلالة زرقاء وطرطور أحمر، فلما لبسها الوزير لاعبته على الفراش ولاعبها، وهو يريد قضاء الحاجة منها وهي تمنعه وتقول له: يا سيدي هذا لا يفوتنا.
فبينما هم في الكلام وإذا بطارق يطرق الباب فقال لها من هذا فقالت له زوجي فقال لها كيف التدبير فقالت قم وادخل هذه الخزانة حتى اصرف زوجي وأعود إليك ولا تخف، ثم إنها أدخلته الطبقة الثالثة وقفلت عليه وخرجت ففتحت الباب وإذا هو الملك دخل فلما رأته قبلت الأرض بين يديه وأخذت بيده وأدخلته في صدر المكان وأجلسته على الفراش وقالت له شرفتنا أيها الملك ولو قدمنا لك الدنيا وما فيها ما تساوي خطوة من خطواتك إلينا.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الواحدة والتسعين بعد الخمسمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الملك لما دخل دار المرأة قالت له لو أهدينا لك الدنيا وما فيها ما تساوي خطوة من خطواتك إلينا فلما جلس على الفراش قالت له: أعطني أذناً أكلمك كلمة واحدة فقال لها تكلمي ما شئت فقالت له استرح يا سيدي واخلع ثيابك وعمامتك وكانت ثيابه في ذلك الوقت تساوي ألف دينار، فلما خلعها ألبسته ثوباً خلقاً قيمته عشرة دراهم بلا زيادة وأقبلت تؤانسه وتلاعبه، هذا كله والجماعة الذين في الخزانة يسمعون ما يحصل منهما ولا يقدر أحد أن يتكلم فلما مد الملك يده إلى عنقها وأراد أن يقضي حاجته منها، قالت له هذا الأمر لا يفوتنا وقد كنت قبل الآن وعدت حضرتك بهذا المجلس فلك عندي ما يسرك، فبينما هما يتحدثان وإذا بطارق يطرق الباب فقال لها من هذا قالت له زوجي فقال لها اصرفيه عنا كرماً منا وإلا فاطلع إليه أصرفه قهراً فقالت له لا يكون ذلك يا مولانا بل اصبر حتى أصرفه بحسن معرفتي فقال لها وكيف أفعل أنا، فأخذته من يده وأدخلته في الطبقة الرابعة وقفلت عليه، ثم خرجت إلى الباب ففتحته وإذا هو النجار. فلما دخل وسلم عليها قالت له أي شيء هذه الخزائن التي عملتها فقال لها ما لها يا سيدتي فقالت له إن هذه الطبقة ضيقة فقال لها هذه واسعة فقالت له ادخل وانظرها فإنها لا تسعك فقال لها هذه تسع أربعة ثم دخل النجار فلما دخل قفلت عليه الطبقة الخامسة، ثم إنها قامت وأخذت ورقة الوالي ومضت بها إلى الخازندار فلما أخذها قبلها وأطلق لها الرجل عشيقها من الحبس فأخبرته بما فعلته فقال لها وكيف تفعلي قالت له نخرج من هذه المدينة إلى مدينة أخرى وليس لنا بعد هذا الفعل إقامة هنا ثم جهزوا ما كان عندهما وحملاه على الجمال وسافرا من ساعتهما إلى مدينة أخرى، وأما القوم فإنهم أقاموا في طبقات الخزانة ثلاثة أيام بلا أكل، فانحصروا لأن لهم ثلاثة أيام لم يبولوا، فبال النجار على رأس السلطان وبال السلطان على رأس الوزير وبال الوزير على رأس الوالي وبال الوالي على رأس القاضي فصاح القاضي وقال أي شيء هذه النجاسة أما يكفينا ما نحن فيه حتى تبولوا علينا فرفع الوالي صوته وقال عظم الله أجرك أيها القاضي، فلما سمعه عرف أنه الوالي ثم إن الوالي رفع صوته وقال ما بال هذه النجاسة، فرفع الوزير صوته وقال عظم الله أجرك أيها الوالي، فلما سمعه الوالي عرف أنه الوزير، ثم إن الوزير رفع صوته وقال ما بال هذه النجاسة، فرفع الملك صوته وقال عظم الله أجرك أيها الوزير. ثم إن الملك لما سمع كلام الوزير عرفه ثم سكت وكتم أمره، ثم إن الوزير قال لعن الله هذه المرأة بما فعلت معنا أحضرت جميع أرباب الدولة عندها ما عدا الملك، فلما سمعهم الملك قال لهم اسكتوا فأنا أول من وقع في شبكة هذه العاهرة الفاجرة، فلما سمع النجار قولهم قال لهم وأنا أي شيء ذنبي قد عملت لها خزانة بأربعة دنانير ذهباً وجئت أطلب الأجرة فاحتالت علي وأدخلتني هذه الطبقة وقفلتها علي ثم إنهم صاروا يتحدثون مع بعضهم وسلوا الملك بالحديث وأزالوا ما عنده من الانقباض.
فجاء جيران ذلك المنزل فرأوه خالياً فقال بعضهم لبعض بالأمس كانت جارتنا زوجة فلان فيه، والآن لم نسمع في هذا الموضع صوت أحد ولا نرى فيه أنسياً فاكسروا هذه الأبواب وانظروا حقيقة الأمر لئلا يسمع الوالي أو الملك فيسجننا فنكون نادمين على أمر لم نفعله قبل ذلك، ثم إن الجيران كسروا الأبواب ودخلوا فرأوا خزانة من خشب ووجدوا رجالاً تئن من الجوع والعطش فقالوا لبعضهم هل يوجد جني في هذه الخزانة فقال واحد منهم نجمع لها حطباً ونحرقها بالنار فصاح عليهم القاضي وقال لا تفعلوا.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الثانية والتسعين بعد الخمسمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الجيران لما أرادوا أن يحملوا الحطب ويحرقوا الخزانة صاح عليهم القاضي وقال لا تفعلوا ذلك فقال الجيران لبعضهم إن الجن يتصورون ويتكلمون بكلام الإنس، فلما سمعهم القاضي قرأ شيئاً من القرآن العظيم ثم قال للجيران ادنوا من الخزانة التي نحن فيها، فلما دنوا منها قال لهم أنا فلان وفلان ونحن هنا جماعة فقال الجيران للقاضي ومن جاء بك هنا فأعلمنا الخبر من أوله إلى آخره فاحضروا لهم نجاراً ففتح للقاضي خزانته وكذلك الوالي والوزير والملك والنجار وكل منهم بالملبوس الذي عليه.
فلما طلعوا نظر بعضه لبعض وصار كل منهم يضحك على الآخر ثم إنهم خرجوا وطلبوا المرأة فلم يقفوا لها على خبر وقد أخذت جميع ما كان عليهم فأرسل كل منهم إلى جماعته يطلب ثياباً، فأحضروا لهم ملبوساً ثم خرجوا مستورين به على الناس، فانظر يا مولانا الملك هذه المكيدة التي فعلتها هذه المرأة مع هؤلاء القوم. وقد بلغني أيضاً أنه كان رجل يتمنى في عمره أن يرى ليلة القدر فنظر ليلة من الليالي إلى السماء فرأى الملائكة وأبواب السماء قد فتحت ورأى كل شيء ساجد في محله فلما رأى ذلك قال لزوجته يا فلانة إن الله قد أراني ليلة القدر ونذرت إن رأيتها أدعو ثلاث دعوات مستجابات فأنا أشاورك فماذا أقول، فقالت المرأة قل اللهم كبر لي ذكري، فقال ذلك فصار ذكره مثل ضرف القرع حتى صار ذلك الرجل لا يستطيع القيام به، وكانت زوجته إذا أراد أن يجامعها تهرب منه من موضع إلى موضع فقال لها الرجل كيف العمل فهذه أمنيتك لأجل شهوتك، فقالت له أنا ما أشتهي أن يبقى بهذا الطول فرفع الرجل رأسه إلى السماء وقلا اللهم أنقذني من هذا الأمر وخلصني منه فصار الرجل ممسوحاً ليس له ذكر، فلما رأته زوجته قالت له ليس لي بك حاجة حيث صرت بلا ذكر فقال لها هذا كله من شؤم رأيك وسوء تدبيرك كان لي عند الله ثلاث دعوات أنال بها خيرات الدنيا والآخرة فذهبت دعوتان وبقيت دعوة واحدة، فقالت ادع الله على ما كنت عليه أولاً فدعا ربه فعاد كما كان فهذا أيها الملك بسبب سوء تدبير المرأة، وإنما ذكرت لك ذلك لتحقق غفلة النساء وسخافة عقولهن وسوء تدبيرهن، فلا تسمع قولها وتقتل ولدك مهجة قلبك وتمحو ذكرك من بعدك فانتهى الملك عن قتل ولده.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

يتبع ...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

اشهار

Flag Counter
 
- See more at: http://dilo-awra9i.blogspot.com/