Ads 468x60px

اشهار

الثلاثاء، 21 فبراير 2017

الف ليلة و ليلة 19: حكاية تودد الجارية (الجزء 3)

حكاية تودد الجارية الجزء القبل الاخير

وفي الليلة الثامنة والأربعين بعد الأربعمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن الجارية لما عدت المنازل وقسمتها على البروج قال لها المنجم: أحسنت فاخبريني عن الكواكب السيارة وعن طبائعها وعن مكثها في البروج والسعد منها والنحس وأين بيوتها وشرفها وسقوطها؟ قالت: المجلس ضيق ولكن سأخبرك. أما الكواكب فسبعة وهي: الشمس والقمر وعطارد والزهرة والمريخ والمشتري وزحل، فالشمس حارة يابسة نحيسة بالمقارنة سعيدة بالنظرة تمكث غي كل برج ثلاثين يوماً والقمر بارد رطب سعيد يمكث في كل برج يومين وثلث يوم وعطارد ممتزج سعد مع السعود نحس مع النحوس يمكث في كل برج سبعة عشر يوماً ونصف اليوم، والزهرة معتدلة سعيدة تمكث في كل برج من البروج خمسة وعشرين يوماً والمريخ نحس يمكث في كل برج عشرة أشهر والمشتري سعد يمكث في كل برج سنة. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح
وفي الليلة التاسعة والأربعين بعد الأربعمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن المشتري سعد يمكث في كل برج سنة وزحل بارد يابس نحس يمكث في كل برج ثلاثين شهراً والشمس بيتها الأسد وشرفها الحمل وهبوطها الدلو والقمر بيته السرطان وشرفه الثور وهبوطه الحمل ووباله السرطان والأسد، والمشتري بيته الحوت والقوس وهبوطه العقرب ووباله الجدي، وزحل بيته الجدي والدلو وشرفه الميزان والسرطان وهبوطه الجدي ووباله الجوزاء والأسد، والزهرة بيتها الثور وشرفها الحوت وهبوطها الميزان ووبالها الحمل والعقرب، وعطارد بيته الجوزاء والسنبلة وهبوطه الحوت ووباله الثور، والمريخ بيته الحمل والعقرب وشرفه الجدي وهبوطه السرطان ووباله الميزان.
فلما نظر المنجم إلى حذقها وعلمها وحسن كلامها وفهمها ابتغى له حيلة يخجلها بها بين يدي أمير المؤمنين فقال لها: يا جارية هل ينزل في هذا الشهر مطراً؟ فأطرقت ساعة ثم تفكرت طويلاً حتى ظن أمير المؤمنين أنها عجزت عن جوابها فقال لها المنجم: لم لا تتكلمين؟ فقالت: لا أتكلم إلا إن أذن لي بالكلام أمير المؤمنين فقال لها أمير المؤمنين: وكيف ذلك؟ قالت: أريد أن تعطيني سيفاً أضرب به عنقه لأنه زنديق، فضحك أمير المؤمنين وضحك من حوله، ثم قالت: يا منجم خمسة لا يعلمها إلا الله تعالى وقرأت: (إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام، وما تدري نفس ماذا تكسب غداً، وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير)، قال لها: أحسنت إني والله ما أردت إلا اختبارك، فقالت: اعلم أن أصحاب التقويم لهم إشارات وعلامات ترجع إلى الكواكب بالنظر إلى دخول السنة وللناس فيها تجارب قال: وما هي؟ قالت: إن لكل يوم من الأيام كوكباً يملكه، فإذا كان أول يوم من السنة يوم الأحد فهو الشمس ويدل ذلك والله أعلم على الجور من الملوك والسلاطين والولاة وكثرة الوخم وقلة المطر وأن تكون الناس في هرج عظيم، وتكون الحبوب طيبة إلا العدس، فإنه يعطب ويفسد العنب ويغلو الكتان ويرخص القمح من أول طوبة إلى آخر برمهات ويكثر القتال بين الملوك ويكثر الخير في تلم السنة والله أعلم.
قال: فأخبريني عن يوم الاثنين قالت: هو القمر ويدل ذلك على صلاح ولاة الأمور والعمال وأن تكون السنة كثيرة الأمطار. وتكون الحبوب طيبة ويفسد بزر الكتان ويرخص القمح، ويكثر العنب ويقل العسل ويرخص القطن والله أعلم. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الخمسين بعد الأربعمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن الجارية لما فرغت من بيان يوم الاثنين قال لها: أخبريني عن يوم الثلاثاء قالت: هو المريخ ويدل ذلك على موت كبار الناس وكثرة الفناء وإراقة الدماء والغلاء في الحب وقلة الأمطار وأن يكون السمك قليلا ويزيد في أيام وينقص في أيام، ويرخص العسل والعدس ويغلو بذر الكتان، في تلك السنة وفيها يفلح الشعير دون سائر الحبوب، ويكثر القتال بين الملوك ويكثر الموت بالدم ويكثر موت الحمير والله أعلم.
قال: فأخبريني عن يوم الأربعاء، قالت هو عطارد ويدل ذلك على هرج عظيم يقع في الناس وعلى كثرة العدو وأن تكون الأمطار معتدلة وأن يفسد بعض الزرع وأن يكثر موت الدواب وموت الأطفال ويكثر القتل في البحر من برموده إلى مسرى وترخص بقية الحبوب، ويكثر الرعد والبرق ويغلو العسل ويكثر طلع النخل، ويكثر الكتان والقطن، ويغلو الفجل والبصل والله أعلم.
قال: أخبريني عن يوم الخميس قالت: هو للمشتري ويدل ذلك على العدل في الوزراء والصلاح في القضاء والفقراء وأهل الدين، وأن يكون الخير كثيراً وتكثر الأمطار والثمار والأشجار والحبوب ويرخص الكتان والقطن والعسل والعنب ويكثر السمك والله أعلم.
قال: أخبريني عن يوم الجمعة، قالت: هو للزهرة ويدل ذلك على الجور في كبار الجن والتحدث بالزور والبهتان وأن يكثر الندى ويطيب الخريف في البلاد ويكون الرخص في بلاد دون بلاد ويكثر الفساد في البر والبحر ويغلو بذر الكتان ويغلو القمح في هاتور ويرخص في وامشير ويغلو العسل ويفسد العنب والبطيخ والله أعلم.
قال: فأخبريني عن يوم السبت، قالت: هو لزحل ويدل ذلك على إيثار العبيد والروم ومن لا خير فيه ولا في قربه وأن يكون الغلاء والقحط كثيراً ويكون الغنم كثيراً ويكثر الموت في بني آدم والويل لأهل مصر والشام من جور السلطان وتقل البركة من الزرع وتفسد الحبوب والله أعلم. ثم إن المنجم أطرق برأسه وطأطأ رأسه فقالت: يا منجم أسألك مسألة واحدة فإن لم تجب أخذت ثيابك قال لها: قولي: أين يكون سكن زحل؟ قال: في السماء السابعة قالت: فالشمس؟ قال: في السماء الرابعة قالت: فالزهرة؟ قال: في السماء الثالثة قالت: فعطارد؟ قال: في السماء الثانية قالت: فالقمر؟ قال: في السماء الأولى، قالت: أحسنت وبقي عليك مسألة واحدة قال: اسألي، قالت: فأخبرني عن النجوم إلى كم جزء تنقسم؟ فسكت ولم يجب قالت: انزع ثيابك فنزعها ولما أخذتها قال لها أمير المؤمنين: فسري لنا هذه المسألة فقالت: يا أمير المؤمنين هم ثلاثة أجزاء جزء معلق بسماء الدنيا كالقناديل وهو ينير الأرض وجزء ترمي به الشياطين إذا استرقوا السمع. قال الله تعالى: ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح وجعلناها رجاماً للشياطين. والجزء الثالث معلق بالهواء وهو ينير البحار وما فيها. قال المنجم: بقي لنا مسألة واحدة فإن أجابت أقررت لها قالت: قل. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الواحدة والخمسين بعد الأربعمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد أنه قال: أخبريني عن أربعة أشياء متضادة مترتبة على أربعة أشياء متضادة، قالت: هي الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة خلق الله من الحرارة النار وطبعها حار يابس، وخلق من اليبوسة التراب وطعمه بارد يابس وخلق من البرودة الماء وطبعه بارد رطب، وخلق من الرطوبة الهواء وطبعه حار رطب، ثم خلق اثني عشر برجاً وهي الحمل والثور والجوزاء والسرطان والأسد والسنبلة والميزان والعقرب والقوس والجدي والدلو والحوت وجعلها على أربع طبائع ثلاثة نارية وثلاثة ترابية وثلاثة هوائية مائية، فالحمل والأسد والقوس نارية، والثور والسنبلة والجدي ترابية، والجوزاء والميزان والدلو هوائية، والسرطان والعقرب والحوت مائية. فقام المنجم وقال: اشهدوا على أنها أعلم مني وانصرف مغلوباً.
ثم قالت: يا أمير المؤمنين أين الفيلسوف؟ فنهض إليها رجل وتقدم وقال: أخبريني عن الدهر وحده وأيامه وما جاء فيه؟ قالت: إن الدهر هو اسم واقع على ساعات الليل والنهار وان هي مقادير جري الشمس والقمر في أفلاكهما كما أخبر الله تعالى حيث قال: (وآية لهم الليل نسلخ منه النهار فإذا هم مظلمون والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم). قال: أخبريني عن ابن آدم كيف يصل إليه الكفر؟ قالت: روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: الكفر في ابن آدم يجري كما يجري الدم في عروقه حيث يسب الدنيا والدهر والليلة والساعة، وقال عليه الصلاة والسلام: لا يسب أحدكم الدهر والليلة والساعة، وقال عليه الصلاة والسلام: لا يسب أحدكم الدهر فإن الدهر هو الله ولا يسب أحدكم الدنيا فتقول: لا أعان الله من يسبني ولا يسب أحدكم هذه الساعة فإن الساعة آتية لا ريب فيها ولا يسب أحدكم الأرض فإنها آية لقوله تعالى: (منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى).
قال: فأخبريني عن خمسة أكلوا وشربوا وما خرجوا من ظهر ولا بطن، قالت: هو آدم وشمعون وناقة صالح وكبش إسماعيل والطير الذي رآه أبا بكر الصديق في الغار. قال: فأخبريني عن خمسة في الجنة لا من الإنس ولا من الجن ولا من الملائكة، قالت: ذئب يعقوب وكلب أصحاب الكهف وحمار العزيز وناقة صالح ودلال بغلة النبي صلى الله عليه وسلم. قال: فأخبريني عن رجل صلى صلاة لا في الأرض ولا في السماء قالت: هو سليمان حين صلى على بساطه وهو على الريح، قال: أخبريني عمن صلى صلاة الصبح فنظر إلى أمة فحرمت عليه فلما كان الظهر حلت له فلما كان العصر حرمت عليه فلما كان المغرب حلت له فلما كان العشاء حرمت عليه فلما كان الصبح حلت له، قالت: هذا رجل نظر إلى أمة غيره عند الصبح وهي حرام عليه فلما كان الظهر اشتراها فحلت له فلما كان العصر أعتقها فحرمت عليه فلما كان المغرب تزوجها فحلت له فلما كان العشاء طلقها فحرمت عليه فلما كان الصبح راجعها فحلت له. قال: أخبريني عن قبر مشى بصاحبه؟ قالت: هو حوت يونس بن متى حين ابتلعه، قال: أخبريني عن بقعة واحدة طلعت عليها الشمس مرة واحدة ولا تطلع عليها بعد إلى يوم القيامة قالت: البحر حين ضربه موسى بعصاه فانفلق اثني عشر فرقاً على عدد الأسباط وطلعت عليه الشمس ولم تعد له إلى يوم القيامة. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الثانية والخمسين بعد الأربعمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن الفيلسوف قال بعد ذلك للجارية أخبريني عن أول ذيل سحب على وجه الأرض، قالت: ذيل هاجر حياء من سارة فصارت سنة في العرب، قال: أخبريني عن شيء يتنفس بلا روح قالت قوله تعالى: (والصبح إذا تنفس)، قال: أخبريني عن حمام طائر اقبل على شجرة عالية فوق بعضه فوقها وبعضها تحتها فقالت: الفرقة التي فوق الشجرة إلى التي تحتها إن طلعت واحدة منكن صرتن الثلث وإن نزلت منا واحدة كنا مثلكن في العدد، قالت الجارية: كان الحمام اثنتي عشرة حمامة فوق منهن فوق الشجرة سبع وتحتها خمس فإذا طلعت واحدة صار الذي فوق قدر الذي تحت مرتين ولو نزلت واحدة صار الذي تحت مساو بالذي فوق والله أعلم، فتجرد الفيلسوف من ثيابه وخرج هارباً.
وأما حكايتها مع النظام فإن الجارية التفتت إلى العلماء الحاضرين وقالت: أيكم المتكلم في كل فن وعلم؟ فقام إليها النظام وقال لها: لا تحسبيني كغيري فقالت له: الأصح عندي أنك مغلوب لأنك مدع والله ينصرني عليك حتى أجردك من ثيابك فلو أرسلت من يأتيك بشيء تلبسه لكان خيراً لك فقال: والله لأغلبنك وأجعلنك حديثاً يتحدث به الناس جيلاً بعد جيل، فقالت له الجارية: كفر عن يمينك، قال: أخبريني عن خمسة أشياء خلقها الله قبل خلق الخلق، قالت له: الماء والتراب والنوم والظلمة والثمار، قال: أخبريني عن شيء خلقه الله بيد القدرة، قالت: العرش وشجرة طوبى وآدم وجنة عدن فهؤلاء خلقهم الله بيد القدرة وسائر المخلوقات قال لهم: كونوا فكانوا. قال: أخبريني عن أبيك في الإسلام قالت: محمد صلى الله عليه وسلم قال: فمن أبو محمد؟ قالت: إبراهيم خليل الله قال: فأخبريني ما أولك وما آخرك؟ قالت: أولي نطفة مذرة وآخري إلى التراب. وقد قال الشاعر:
                     خلقت من التراب فصرت شخصا      فصيحا في السؤال وفي الجواب
                     وعدت إلى التراب فصرت فـيه         كأني ما برحت مـن الـتـراب
قال: فأخبريني عن شيء أوله عود وآخره روح، قالت: عصا موسى حين ألقاها في الوادي فإذا هي حية تسعى بإذن الله تعالى، قال: فأخبريني عن قوله تعالى: ولي فيها مآرب أخرى قالت: كان يغرسها في الأرض فتزهو وتثمر وتظله من الحر والبرد، وتحمله إذا عيى، وتحرس له الغنم إذا نام من السباع، قال: أخبريني عن أنثى من ذكر وذكر من أنثى، قالت: حواء من آدم وعيسى من مريم، قال: فأخبريني عن أربع نيران نار تأكل ونار تشرب ولا تشرب ونار تشرب ولا تأكل ونار تأكل ولا تشرب قالت: أما النار التي تأكل ولا تشرب فهي نار الدنيا وأما النار التي تأكل وتشرب فهي نار جهنم وأما النار التي تشرب ولا تأكل فهي نار الشمس وأما النار التي لا تأكل ولا تشرب فهي نار القمر قال: أخبريني كم كلمة كلم الله موسى؟ قالت: روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: كلم الله موسى ألف كلمة وخمسمائة عشرة كلمة، قال أخبريني عن أربعة عشر كلمة رب العالمين، قالت: السموات السبع والأرضون السبع لما قالتا: أتينا طائعين. فلما قالت له الجواب قال لها: أخبريني عن آدم وأول خلقته، قالت: خلق الله آدم من طين والطين من زبد والزبد من بحر والبحر من ظلمة والظلمة من ثور والثور من حوت والحوت من صخرة والصخرة من ياقوتة والياقوتة من ماء والماء من القدرة لقوله تعالى: إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له: كن فيكون، قال: فأخبريني عن قول الشاعر:
                وآكلة بغـير فـم وبـطـن         لها الأشجار والحيوانات قوت
                فإن أطعمتها انتعشت وعاشت     ولو أسقيتها مـاء تـمـوت
قالت: هي النار، قال: فأخبريني عن قول الشاعر:
                خليلان ممنوعان من كل لـذة       يبيتان طول الليل يعتـنـقـان
                هما يحفظان الأهل من كل آفة      وعند طلوع الشمس يفترقـان
قالت: هما مصراعا الباب قال: فأخبريني عن أبواب جهنم قالت: سبعة وهي ضمن بيتين من الشعر:
              جهنم ولظى ثم الحـطـيم كـذا     عد السعير وكل القول في سقر
               وبعد ذلك جـحـيم ثـم هـاوية      فذاك عدتهم في قول مختصـر
قال: فأخبريني عن قول الشاعر:
                 وذات ذوائب تـنـجـر طـولا        وراها في المجيء وفي الذهاب
                 بعين لم تذق للنـوم طـعـمـا         ولا ذرفت لدمع ذي انسـكـاب
                 ولا لبست مدى الأيام طـعـمـا       وتسكوا الناع أنـواع الـثـياب
قالت: هي الإبرة قال: فأخبريني عن الصراط وما هو وما طوله وما عرضه؟ قالت: أما طوله فثلاثة آلاف عام ألف هبوطه وألف صعوده والف استواء وهو أحد من السيف وأرق من الشعرة. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الثالثة والخمسين بعد الأربعمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن الجارية لما وصفت له الصراط قال: أخبريني كم لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم من شفاعة؟ قالت له: ثلاث شفاعات قال لها: هل كان أبو بكر أول من أسلم؟ قالت نعم. قال: إن علي أسلم قبل ابابكر قالت: إن علي أتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو ابن سبع سنين فأعطاه الله الهداية على صغر سنه فما سجد لصنم قط قال: فأخبريني أعلي أفضل أم العباس؟ فعلمت أن هذه مكيدة لها فإن قالت: علي أفضل من العباس فما لها من عذر عند أمير المؤمنين فأطرقت ساعة وهي تارة تحمر وتارة تصفر ثم قالت: تسألني عن اسمين فاضلين لكل منهما فضل فارجع بنا إلى ما كنا فيه، فلما سمعها الخليفة هارون الرشيد استوى قائماً على قدميه وقال لها: أحسنت ورب الكعبة يا تودد فعند ذلك قال لها إبراهيم النظام: أخبريني عن قول الشاعر:
                          مهفهفة الأذيال عذب مذاقـهـا       تحاكي القني لكن بغير سنـان
                          ويأخذ كل الناس منها منافـعـا      وتؤكل بعد العصر في رمضان
قالت: قصب السكر قال: فأخبريني عن مسائل كثيرة قالت: وما هي؟ قال: ما أحلى من العسل وما أحد من السيف وما أسرع من السهم وما لذة ساعة وما سرور ثلاثة أيام وما أطيب يوم وما فرحة جمعة وما الحق الذي لا ينكره صاحب الباطل وما سجن القبو وما فرحة القلب وما كيد النفس وما موت الحياة وما الداء الذي لا يداوى وما العار الذي لا ينجلي وما الدابة التي لا تأوي إلى العمران وتسكن الخراب وتبغض بني آدم وخلق فيها خلق من سبعة جبابرة قالت له: اسمع جواب ما قلت ثم انزع ثيابك حتى أفسر لك ذلك قال لها أمير المؤمنين: فسري وهو ينزع ثيابه قالت: أما ما هو أحلى من العسل فهو حب الأولاد البارين بوالديهم، وأما ماهو أحد من السيف فهو اللسان، وأما ما اسرع من السهم فهو عين الميعان، وأما لذة ساعة فهو الجماع وأما سرور ثلاثة أيام فهو النورة للنساء، وأما ما هو أطيب يوم فهو يوم الربح في التجارة، وأما فرحة جمعة فهو العروس، وأما الحق الذي لا ينكره صاحب الباطل فهو الموت، وأما سجن القبر فهو الولد السوء، وأما فرحة القلب فهي المرأة المطيعة لزوجها وقيل: اللحم حين ينزل عن القلب فإنه يفرح بذلك، وأما كيد النفس فهو العبد العاصي، وأما موت الحياة فهو الفقر، وأما الداء الذي لا يداوى فهو سوء الخلق، وأما العار الذي لا ينجلي فهو البنت السوء، وأما الدابة التي لا تأوي إلى العمران وتسكن الخراب وتبغض بني آدم وخلق فيها سبعة جبابرة فإن الجرادة رأسها كرأس الفرس وعنقها عنق الثور وجناحها جناح النسر ورجلها رجل الجمل وذنبها ذنب الحية وبطنها بطن العقرب وقرنها قرن الغزال.
فتعجب الخليفة هارون الرشيد من حذقها وفهمها ثم قال للنظام: انزع ثيابك فقام وقال: أشهد على جميع من حضر هذا المجلس أنها أعلم مني ومن كل عالم ونزع ثيابه وقال لها: خذيها لا بارك الله لك فيها، فأمر له أمير المؤمنين بثياب يلبسها ثم قال أمير المؤمنين: يا تودد بقي عليك شيء مما وعدت به وهو الشطرنج وأمر بإحضار الشطرنج والكمنجة والنرد فحضروا وجلس الشطرنجي معها وصفت بينهما الصفوف ونقل ونقلت فما نقل شيئاً إلا أفسدته عن قريب. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الرابعة والخمسين بعد الأربعمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن الجارية لما لعبت الشطرنج مع المعلم بحضرة أمير المؤمنين هارون الرشيد صارت كلما نقل نقلاً أفسدته حتى غلبته ورأى الشاه مات، فقال: أنا أردت أن أطعمك حتى تظني أنك عارفة لكن صفي حتى أريك، فلما صفت الثاني قال في نفسه: افتح عينيك وإلا غلبتك وصار ما يخرج قطعة إلا بحساب وما زال يلعب حتى قالت له: الشاه مات، فلما رأى ذلك منها دهش من حذقها وفهمها فضحكت وقالت له: يا معلم أنا أراهنك في هذه المرة الثالثة على أن أرفع لك الفرزان ورخ الميمنة وفرس الميسرة وإن غلبتني فخذ ثيابي وإن غلبتك أخذت ثيابك.
قال: رضيت بهذا الشرط ثم صفا الصفين ورفع الفرزان والرخ والفرس وقالت له: انقل يا معلم فنقل وقال: ما لي لا أغلبها بعد هذه الحطيطة وعقد عقداً وإذا هي نقلت نقلاً قليلاً إلى أن صيرت له فرزانا ودنت منه وقربت البيادق والقطع وشغلته وأطعمته قطعة فقطعها، فقالت: الكيل كيل وافي والرز رز صافي فكل حتى تزيد على الشبع، ما يقتلك يا ابن آدم إلا الطمع أما تعلم أني أطعمتك لأخدعك انظر فهذا الشاه مات ثم قالت له: انزع ثيابك فقال لها اتركي لي السراويل وأجرك على الله وحلف بالله لا يناظر أحداً ما دامت تودد ببغداد ثم نزع ثيابه وسلمها لها وانصرف. فجيء بلاعب النرد فقالت له: إن غلبتك في هذا اليوم فماذا تعطيني؟ قال: أعطيك عشر ثياب من الديباج القسطنطيني المطرز بالذهب وعشر ثياب من المخمل وإن غلبتك فما أريد منك إلا أن تكتبي لي درجاً بأني غلبتك قالت له: دونك وما عولت عليه فلعب فإذا هو قد خسر وقام وهو يرطن بالإفرنجية ويقول: ونعمة أمير المؤمنين إنها لا يوجد مثلها في سائر البلاد، ثم إن أمير المؤمنين دعا بأرباب آلات الضرب؟ قالت: نعم فأمر بإحضار عود محكوم مدعوك مجرود صاحبه بالهجران مكدود فوضته في حجرها وأرخت عليه نهدها وانحنت عليه انحناءة والدة ترضع ولدها وضربت عليه اثني عشر نغماً حتى ماج المجلس من الطرب وأنشدت تقول:
                            أقصروا هجركم أقلوا جفاكم      فؤادي وحقكم ماسـلاكـم
                            وارحموا باكياً حزيناً كئيبـا        ذا غرام متيم في هـواكـم
فطرب أمير المؤمنين وقال: بارك الله فيك ورحم من علمك، فقامت وقبلت الأرض بين يديه، ثم إن أمير المؤمنين أمر بإحضار المال ودفع لمولاها مائة ألف دينار وقال لها: يا تودد تمني علي، قالت: تمنيت عليك أن تردني إلى سيدي الذي باعني فقال لها: نعم فردها إليه وأعطاها خمسة آلاف دينار لنفسها وجعل سيدها نديماً له على طول الزمان. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الخامسة والخمسين بعد الأربعمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن الخليفة أعطى الجارية خمسة آلاف دينار وردها إلى مولاها، وجعله نديماً له على طول الزمان وأطلق له في كل شهر ألف دينار وقعد مع جاريته تودد في أرغد عيش فأعجب الملك من فصاحة هذه الجارية ومن غزارة علمها وفهمها وفضلها في كامل العلوم، وانظر إلى مروءة أمير المؤمنين هارون الرشيد حيث أعطى سيدها هذا المال وقال لها: تمني علي فتمنت عليه أن يردها إلى سيدها فردها إليه وأعطاها خمسة آلاف دينار لنفسها وجعل سيدها نديماً له، فأين يوجد هذا الكرم بعد الخلفاء العباسيين رحمة الله تعالى عليهم أجمعين.
جملة حكايات تتضمن عدم الاغترار بالدنيا والوثوق بها وما ناسب ذلك ومما يحكى أيها الملك السيعد أن ملكاً من الملوك المتقدمين أراد أن يركب يوماً في جملة أهل مملكته وأرباب دولته ويظهر للخلائق عجائب زينته فأمر أصحابه وأمراءه وكبراء دولته أن يأخذوا أهبة الخروج معه، وأمر خازن الثياب بأن يحضر له من أفخر الثياب ما يصلح للملك في زينته وأمر بإحضار خيله الموصوفة العتاق المعروفة ففعلوا ذلك ثم إنه اختار من الثياب ما أعجبه ومن الخيل ما استحسنه، ثم لبس الثياب وركب الجواد وسار بالموكب والطوق المرصع بالجواهر وأصناف الدرر واليواقيت، وجعل يركب الحصان في عسكره ويفتخر بتيهه وتجبره، فأتاه إبليس فوضع يده على ممخره ونفخ في أنفه نفخة الكبر والعجب فزها وقال في نفسه: من في العامل مثلي وطفق يتيه بالعجب الأكبر ويظهر الأبهة ويزهو بالخيلاء ولا ينظر إلى أحد من تيهه وتكبره وعجبه وفخره.
 فوقف بين يديه رجل عليه ثياب رثة، فسلم عليه فلم يرد عليه السلام فقبض على عنان فرسه فقال له الملك: ارفع يدك فإنك لا تدري بعنان من قد أمسكت، فقال له: إن لي إليك حاجة، فقال: اصبر حتى أنزل واذكر حاجتك، فقال: إنها سر ولا أقولها إلا في أذنك فمال بسمعه إليه فقال له: أنا ملك الموت وأريد قبض روحك فقال: امهلني بقدر ما أعود إلى بيتي وأودع أهلي وأولادي وجيراني وزوجتي فقال: كلا لا تعود ولن تراهم أبداً فإنه قد مضى أجل عمرك، فأخذ روحه وهو على ظهر فرسه فخر ميتاً ومضى ملك الموت من هناك.
 فأتى رجلاً صالحاً قد رضي الله عنه فسلم عليه فرد عليه السلام فقال ملك الموت: أيها الرجل الصالح إن لي إليك حاجة وهي سر، فقال له الرجل الصالح: اذكر حاجتك في أذني فقال: أنا ملك الموت فقال الرجل مرحباً بك الحمد لله فإني كنت كثيراً أراقب مجيئك ووصولك إلي، ولقد طالت غيبتك على المشتاق إلى قدومك فقال له ملك الموت: إن كان لك شغل فاقضه، فقال له: ليس لي شغل أهم عندي من لقاء ربي عز وجل فقال: كيف تحب أن أقبض روحك، فإني أمرت أن أقبضها كيف أردت وأحببت، فقال: أمهلني حتى أتوضأ وأصلي فإذا سجدت فاقبض روحي وأنا ساجد فقال ملك الموت: إن ربي عز وجل أن لا أقبض روحك إلا باختيارك كيف أردت وأنا أفعل ما قلت فقام الرجل وتوضأ وصلى فقبض ملك الموت روحه وهو ساجد ونقله الله تعالى إلى محل الرحمة والرضوان والمغفرة.
وحكي أن ملكاً من الملوك كان قد جمع مالاً عظيماً لا يحصى عدده واحتوى على أشياء كثيرة من كل نوع خلقه الله تعالى في الدنيا ليرفه عن نفسه حتى إذا أراد أن يتفرغ لما جمعه من النعم الطائلة بنى له قصراً عالياً مرتفعاً شاهقاً يصلح للملوك ويكون لائقاً ثم ركب عليه بابين ووثب له الغلمان والأجناد والبوابين كما أراد، ثم أمر الطباخ في بعض الأيام أن يصنع له شيئاً من أطيب الطعام وجمع أهله وحشمه وأصحابه وخدمه ليأكلوا عنده وينالوا رفده، وجلس على سرير مملكته وسيادته واتكأ على وسادته وخاطب نفسه وقال: يا نفس قد جمعت لك نعم الدنيا بأسرها، فالآن تفرغي وكلي من هذه النعم مهنأة بالعمر الطويل والحظ الجزيل، وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة السادسة والخمسين بعد الأربعمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن الملك لما حدث نفسه وقال لها: كلي من هذه النعم مهنأة بالعمر الطويل والحظ الجزيل، ولم يفرغ مما حدث به نفسه، حتى أتاه رجل من ظاهر القصر عليه ثياب رثة وفي عنقه مخلاة معلقة على هيئة سائل يسأل الطعام فجاء وطرق حلقة باب القصر طرقة عظيمة هائلة كادت تزلزل القصر وتزعج الشرير، فخاف الغلمان فوثبوا إلى الباب وصاحوا بالطارق وقالوا له: ويحك ما هذه الفعلة وسوء الأدب اصبر حتى يأكل الملك ونعطيك مما يفضل، فقال للغلمان: قولوا لصاحبكم يخرج إلي حتى يكلمني فلي حاجة وشغل مهم وأمر ملم، قالوا: تنح أيها الضيف من أنت حتى تأمر صاحبنا بالخروج إليك؟ فقال لهم: عرفوه ذلك فجاؤوا إليه وعرفوه فقال: هلا زجرتموه وجردتم عليه السلام ونهرتموه، ثم طرق الباب أعظم من الطرقة الأولى فنهض الغلمان إليه بالعصي والسلام وقصدوه ليحاربوه فصاح بهم صيحة وقال: الزموا أماكنكم فأنا ملك الموت فرعبت قلوبهم وذهبت عقولهم وطاشت حلومهم وارتعدت فرائصهم وبطلت عن الحركة جوارحهم، فقال لهم الملك: قولوا له أن يأخذ بدلاً مني وعوضاً عني، فقال ملك الموت: لا آخذ بدلاً ولا أتيت إلا من أجلك، ثم أن ملك الموت قبض على روحه وهو على سريره قال الله تعالى: (حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون). ومما يحكى أن ملكاً جباراً من ملوك بني إسرائيل كان في بعض الأيام جالساً على سرير مملكته فرأى رجلاً قد دخل عليه من باب الدار وله صورة منكرة وهيئة هائلة، فاشمئز من هجومه عليه وفزع من هيئته فوثب في وجهه وقال: من أنت أيها الرجل، ومن أذن لك بالدخول علي وأمرك بالمجيء إلى داري؟ فقال: أمرني صاحب الدار وأنا لا يحجبني حاجب ولا أحتاج في دخولي على الملوك إلى اذن ولا أرهب سياسة سلطان ولا كثرة أعوان أنا الذي لا يفزعني جبار ولا لأحد من قبضت فرار، أنا هادم اللذات ومفرق الجماعات، فلما سمع الملك هذا الكلام خر على وجهه ودبت الرعدة في بدنه ووقع مغشياً عليه فلما أفاق قال: أنت ملك الوت قال: نعم قال: أقسمت عليك بالله إلا ما أمهلتني يوماً واحداً لأستغفر من ذنبي وأطلب العذر من ربي وأرد الأموال التي في خزائني إلى أربابها، ولا أتحمل مشقة حسابها، وويل عقابها فقال ملك الموت: هيهات لا سبيل لك إلى ذلك. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة السابعة والخمسين بعد الأربعمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن ملك الموت قال للملك: هيهات لا سبيل لك إلى ذلك وكيف أمهلك وأيام عمرك محسوبة وأنفاسك معدودة وأوقاتك مثبوتة مكتوبة؟ فقال: أمهلني ساعة فقال: إن الساعة في الحساب قد مضت وأنت غافل، وانقضت وأنت ذاهل وقد استوفيت أنفاسك ولم يبق لك إلا نفس واحد فقال: من يكون عندي إذا نقلت إلى لحدي؟ قال: لا يكون عندك إلا عملك، فقال: ما لي عمل قال: لا جرم أنه يكون مقيلك في النار ومصيرك إلى غضب الجبار، ثم قبض روحه فخر ساقطاً عن سريره ووقع إلى الأرض فحصل الضجيج في أهل مملكته وارتفعت الأصوات وعلا الصياح والبكاء ولو علموا ما يصير إليه من سخط ربه لكان بكاؤهم عليه أكثر وعويلهم أشد وأوفر.
ومما يحكى أنه كان في بني إسرائيل قاض من قضاتهم وكان له زوجة بديعة الجمال كثيرة الصون والصبر والاحتمال، فأراد ذلك القاضي النهوض إلى زيارة البيت المقدس فاستخلف أخاه على القضاء وأوصاه بزوجته وكان أخوه قد سمع بحسنها وجمالها فكلف بها فلما سار القاضي توجه إليها وراودها عن نفسها فامتنعت واعتصمت بالورع فأكثر الطلب عليها وهي تمتنع، فلما يئس منها خاف أن تخبر أخاه بصنيعه إذا رجع فاستدعى بشهود زور يشهدون عليها بالزنا، ثم رفع مسألتها إلى ملك ذلك الزمان فأمر برجمها، فحفروا لها حفرة وأقعدوها فيها ورجمت حتى غطتها الحجارة وقال: تكون الحفرة قبرها فلما جن الليل صارت تئن من شدة ما نالها فمر بها رجل يريد قرية فلما سمع أنينها قصدها وأخرجها من الحفرة وحملها إلى زوجته وأمرها بمداواتها حتى شفيت.
وكان للمرأة ولد فدفعته إليها فصارت تكفله ويبيت معها في بيت ثان، فرآها أحد الشطار فطمع فيها وأرسل يراودها عن نفسها فامتنعت فعزم على قتلها، فجاءها الليل ودخل عليها البيت وهي نائمة ثم هوى بالسكين إليها فوافق الصبي فذبحه، فلما علم أنه ذبح الصبي أدركه الخوف فخرج من البيت وعصمها الله منه ولما أصبحت وجدت الصبي مذبوحاً وجاءت أمه وقالت: أنت التي ذبحتيه ثم ضربتها ضرباً موجعاً وارادت ذبحها فجاء زوجها وأنقذها منها وقال: والله لم تفعل ذلك.
فخرجت المرأة فارة بنفسها لا تدري أين تتوجه وكان معها بعض دراهم فمرت بقرية والناس مجتمعون ورجل مصلوب على جذع شجرة إلا أنه في قيد الحياة فقالت: يا قوم ما له؟ قالوا لها: أصاب ذنباً لا يكفره إلا قتله أو صدقه كذا وكذا من الدراهم، فقالت: خذوا الدراهم وأطلقوه فتاب على يديها ونذر على نفسه أنه يخدمها لله تعالى حتى يتوفاه الله ثم بنى لها صومعة أسكنها فيها وصار يحتطب ويأتيها بقوتها، واجتهدت المرأة في العبادة حتى كان لا يأتيها مريض أو مصاب فتدعو له إلا شفي من وقته. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الثامنة والخمسين بعد الأربعمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن المرأة لما صارت مقصودة للناس وهي مقبلة على عبادتها في الصومعة كان من قضاء الله تعالى أنه نزل بأخي زوجها الذي رجمها عاهة في وجهه، وأصاب المرأة التي ضربتها برص وابتلى الشاطر بوجع أقعده وقد جاء القاضي زوجها من حجه وسأل أخاه عنها فأخبره أنها ماتت، فأسف عليها واحتسبها عند الله، ثم تسامعت الناس بالمرأة حتى كانوا يقصدون صومعتها من أطراف الأرض ذات الطول والعرض، فقال القاضي لأخيه: يا أخي هل قصدت هذه المرأة الصالحة؟ لعل الله يجعل لك على يديها شفاء، قال: يا أخي احملني إليها، وسمع بها زوج المرأة التي نزل بها البرص فسار بها إليها وسمع أهل الشاطر المقعد بخبرها فساروا به إليها أيضاً واجتمع الجميع عند باب صومعتها، وكانت ترى جميع من يأتي صومعتها من حيث لا يراها أحد، فانتظروا خادمها حتى جاء ورغبوا إليه في أن يستأذن لهم في الدخول عليها ففعل فتنقبت واستترت ووقفت عند الباب تنظر زوجها وأخاه اللص والمرأة فعرفتهم وهم لا يعرفونها فقالت لهم: يا هؤلاء إنكم ما تستريحون مما بكم حتى تعترفون بذنوبكم فإن العبد إذا اعترف بذنبه تاب الله عليه وأعطاه ما هو متوجه إليه. فقال القاضي لأخيه: يا أخي تب إلى الله ولا تصر على عصيانك فإنه أنفع لخلاصك، فعند ذلك قال أخ القاضي: الآن أقول الحق إني فعلت بزوجتك ما هو كذا وكذا وهذا ذنبي، فقالت البرصاء: وأنا كانت عندي امرأة فنسبت غليها ما لم أعلمه وضربتها عمداً وهذا ذنبي، فقال المقعد: وأنا دخلت على امرأة لأقتلها بعد مراودتها عن نفسها وامتناعها من الزنا فذبحت صبياً كان بين يديها وهذا ذنبي.
فقالت المرأة: اللهم كما أريتهم ذل المعصية فأرهم عز الطاعة، إنك على كل شيء قدير، فشفاهم الله عز وجل وجعل القاضي ينظر إليها ويتأملها فسألته عن سبب النظر فقال لها: كانت لي زوجة ولولا أنها ماتت لقلت أنها أنت فعرفته بنفسها، وجعلا يحمدان الله عز وجل على ما من عليهما به من جمع شملهما ثم طفق كل من أخ القاضي واللص والمرأة يسألونها المسامحة فسامحت الجميع وعبدوا الله تعالى في ذلك المكان مع لزوم خدمتها إلى أن فرق الموت بينهم.
ومما يحكى، أن بعض السادة قال: بينما أنا أطوف بالكعبة في ليلة مظلمة إذ سمعت صوتاً ذي أنين، ينطق عن قلب حزين وهو يقول: يا كريم لطفك القديم فإن قلبي على العهد مقيم فتطاير قلبي لسماع ذلك الصوت، تطايراً أشرفت منه على الموت، فقصدت نحوه فإذا صاحبته امرأة فقلت: السلام عليك يا أمة الله، فقالت: وعليك السلام ورحمة الله وبركاته فقلت: أسألك بالله العظيم ما العهد الذي قلبك عليه مقيم، فقالت: لولا أقسمت بالجبار ما أطلعتك على الأسرار انظر ما بين يدي، نظر فإذا بين يديها صبي نائم يغط في نومه فقالت: خرجت وأنا حامل بهذا الصبي لأحج هذا البيت فركبت على سفينة فهاجت علينا الأمواج، واختلفت علينا الرياح وانكسرت بنا السفينة فنجوت على لوح منها، ووضعت هذا الصبي وأنا على ذلك اللوح، فبينما هو في حجري والأمواج تضربني. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

اشهار

Flag Counter
 
- See more at: http://dilo-awra9i.blogspot.com/